أقوال عن الأيقونات للقديس يوحنا الدمشقي (نقلاً عن رعيتي)

mjoa Wednesday December 1, 2010 656

قام بعض القوم مدّعين أنه من الخطأ أن نُشهر جراح الرب يسوع في الصور وأن نجعل للقديسين صورا. يا للتضليل! إنها فكرة شيطانية تعمل لكي تُخفي عن أعين الناس حقيقة آلام المخلص وصلبه, وأن ينكر جهاد الفضيلة وتكريم تلاميذ الرب. إذا حاولنا أن نعمل صورةً لله غير المنظور, فنحن نكون قد أخطأنا حقا, لأنه يستحيل أن نحيط الله غير المدرك غير المحتوى في صورة ما. ولو أقمنا تماثيل للناس وسجدنا لأشخاصها بقصد العبادة كآلهة فنحن نكون كافرين. أما إذا كنا قد صوَّرنا الرب الذي أظهر لنا صورته جهارا إذ تجسد وظهر على الأرض كإنسان بين بني البشر, آخذا شكلا ومنظرا محدودا, فنحن لم نضل ولم نعبد شيئا سوى الرب يسوع المسيح يخزيك الرب يا شيطان ويخزي غضبك لأنك تحسدنا حتى على صورته التي وضعها أمام أعيننا لنحيا في حضرته فأنت لا تريد أن نتأمل في آلامه المحيية, أو نعيش بالقرب منه مسبحين عظمته ومحبته واتضاعه. أنت تبغض القديسين وتحقد عليهم لأنهم اتضعوا وأخذوا المجد والكرامة من الله, فلا تطيق أن تنظر صورهم أو تجعلنا نخلّد ذكراهم كما أوصى الرب متشبهين بإيمانهم ناظرين إلى نهاية سيرتهم. اسمعوا يا شعب المسيح يا مختاري الله: كل مَن يُعلِّمكم بغير ما تعلِّم به الكنيسة الواحدة الجامعة الأرثوذكسية التي استلمت تعاليمها من الرسل, فلا تسمعوا له ولا تقبلوا مشورة إنسان, إنها ضلالة شيطان. إن التوقير والإكرام شيء, والعبادة شيء آخر. فالله وحده هو المستحق العبادة من كل مَن في السماء من فوق ومَن في الأرض من تحت. فنحن نسجد ونعبد الله, ونوقّر قديسيه ونكرمهم إكراما للروح القدس الذي ملأهم.

 

يقول القديس يوحنا: ” في العهد القديم لم يكن لله جسد ولا شكل فلم يكن يستطاع تمثيله ولا بأية طريقة. ولكن اليوم، منذ أن ظهر الله بالجسد وعاش بين الناس، فأني أقدر أن أرسم ما هو مرئي في الله ” Tó őpατου τοữ εοữ ” فأنا لا أكّرم المادة ولكني أكرم خالق المادة. الذي صار مادة لأجل محبته لي. الذي تحمّل وتقبّل الحياة بالجسد فأكمل مصالحتي عبر المادة”

بالإضافة إلى هذا المعتقد الرئيسي استخدم القديس يوحنا مواضيع ثانوية أخرى أقل دقة. فمثلا إرتكز على أن العهد القديم لم يكن ضد الأيقونات كلياً، لأنه أستخدم بعض الصور على الأخص في العبادة داخل الهيكل التي يمكن للمسيحيين اعتبارها مقدمة لرسم المسيح. وقد عيب على محاربي الأيقونات تشبيههم الأيقونة بالنموذج الأصلي. فالأيقونة عندهم هي “الله”. وفي هذا الخصوص أعتبر أن أساليب الأفلاطونية الحديثة والأوريجانية التي أستخدمها محاربو الأيقونات هي لصالح الأرثوذكس وتدعمهم أيضاً: فقط الابن والروح هما “الأيقونة الطبيعية” للآب. وبالتالي هما متساويان له. بينما تختلف الصور الأخرى معه جوهريا. الا انها ليست اصناما.

هذه المحاورة حول طبيعة الأيقونة استخدمت لابراز أهمية تكريم الأيقونات وتعريفها. الأمر الذي قبله المجمع المسكوني السابع سنة سبع مئة وسبعة وثمانين(787) ( ثاني مجامع مدينة نيقية). فالصورة والايقونة تتميز عن النموذج الالهي الأصلي. يمكننا أن نميزها بالسجود التكريمي. فالتكريم يعود إلى أصلها وليس بالعبادة، لأن العبادة توجّه لله فقط.

هذا التأكيد المستمد سلطته من المجمع المسكوني يحرم بوضوح عبادة الأيقونات، التي غالباً ما نُتَّهم بها.
بالنسبة لهذا الموضوع فإن الفهم السيء قديم ومتأتي من صعوبات في الترجمة. فالعبارة اليونانية ” prosNÚõElslS” (السجود التكريمي) ترجمت إلى اللاتينية “عبادة”، في ترجمة أعمال المجامع، التي استخدمها شارلمان في كتبه المشهورة “كارولين”. ولكن بعد فترة فهم توما الاكويني العبارة فوافق مجمع نيقية الثاني.

يتحدث القديس يوحنا الدمشقي عن تكريم القديسين في الكنيسة. حسب رأيه، هذا التكريم مرتبط بعبادة الله إذ هناك علاقة ما بين الخالق والمخلوقات وهذا المبدأ العام ينطبق على تكريم القديسين وذخائرهم وعلى تكريم الأيقونات عامة. فنحن نكرّم القديسين لأنهم خدام الله وأولاده وورثته بالنعمة، أصدقاء المسيح وهياكل الروح القدس الحية. وهذا التكريم يعود إلى الله ذاته إذ هو ممجد في قديسيه وفي خدامه الأمناء الذين ننعم بإحساناتهم إلينا. وفي الحقيقة أن القديسين هم شفعاء للجنس البشري بأكمله
ولكن ينبغي أن ننتبه لئلا نحسبهم في عداد الأموات. إنهم دوماً أحياء وأجسادهم نفسها وبقاياهم ذاتها تستحق إكرامنا لها.

هذه هي أفكاره التي عالجها في كتاب “الإيمان الأرثوذكسي” وفي الحوارات حول الأيقونات.  فباعتقاده أن كل تكريم للقديسين إنما يعود إلى يسوع المسيح. فالتكريم له، من خلال قديسيه وبقاياهم والأشياء المختصة بهم وأيضا للصليب المقدس ولأدوات تعذيب السيد وكذلك من خلال الأماكن التي تقدست بحضور الرب يسوع فيه، و باحتكاكها به، ومن العذراء على الأخص في دفاعه عن الأيقونات، الذي ألّفه ضد محاربي الأيقونات ومحطميها، حيث جمع كل مصادر علمه اللاهوتي في ثلاثة دفاعات حول الأيقونات. ثم لخّصها في عرض الايمان الأرثوذكسي.
كل براهينه تهدف لإيضاح هذه النقاط الثلاث:

1.    لا تصوير لجوهر الله، بل للكلمة المتجسد.
2.    تكريم الأيقونات عائد لأصلها.
3.    الأيقونة كتاب مصور.

وُجد التصوير المقدس بهدف أن التكريم الموجه للأيقونات المقدسة هو تكريم مسموح به من الوجهة اللاهوتية وأن هذا التكريم يعطينا الكثير من البركات وهو يقر بأننا لا نستطيع صنع صورة لله تمثله كما هو في جوهره. في طبيعته اللامرئية غير المتجسدة التي لا توصف واللامحدودة. فلو حاول أحد رسم مثل هذه الصورة لجاءت صورة كاذبة وليس لها أساس من الحقيقة وهذا المبدأ لا جدل فيه. ليس فقط عند الدمشقي ولكن عند كل اللاهوتيين الأرثوذكسيين البيزنطيين المدافعين عن الأيقونات. والقديس يوحنا الدمشقي قد وجه كلمات قاسية للمحاولين تمثيل الألوهة بالذات، لأن مثل هذه المحاولة هي قمّة الغباء وعدم التقوى.

الكتاب المقدس يرفض تمثيل الله بصور ويتساءل إن كان الله اللامنظور وغير الموصوف لا يمكن تصويره. فمن يمنعنا عن تصوير الله المتجسد من العذراء أمه وتصوير والدة الإله والقديسين والملائكة القديسين؟ ليس فقط لأنهم ظهروا بأشكال مرئية ولكن على الأخص قد بدت للعيان طاقاتهم فباتوا قابلين للوصف والرسم. فالأيقونوغرافيا المقدسة لها أساس في حقيقة الأشياء. إذاُ، على عكس ما يدعى محاربو الأيقونات، فمثل هذه الأيقونوغرافيا ليست محرّمة في الكتاب المقدس. فالعهد القديم يمنع الأصنام المخترعة ولكنه يخلق وفرة من الصوَر. على كل، نحن لسنا تحت الناموس، لأننا دخلنا في نضوج المسيح. فالله بتجسده صار مرئياً وهو بطريقة ما يدعونا لتصوير صورته المرئية. أليس هو أول من صنع أيقونة؟ فإنه ولد الكلمة قبل الدهور صورة جوهره الكاملة. ألم يصنع الإنسان على صورته ومثاله؟ ألا يحمل في ذاته أفكار وصور كل الأشياء؟ لقد أراد أن يكون العهد القديم صورة للعهد الجديد، وبالتالي إن كان مسموحا صنع أيقونات تمثل هذه الحقائق فمسموح إكرامها أيضاً.

إن ما قاله القديس يوحنا الدمشقي هو التقليد الأرثوذكسي. فإذا كان محطمو الأيقونات على حق فالكنيسة كانت مخدوعة كل تلك الحقبة، وهذا غير معقول، ويشكل هذا الرأي إدانة للهراطقة فلا يمكنهم الإدّعاء بأن تصوير الأيقونات وتكريمها هو ضرب من الصنمية بينما ينبغي أن نتوجه بعبادتنا إلى الله وحده.

احترام الأيقونة وتكريمها لا يتوجهان إلى الأيقونة من حيث هي مادة بسيطة، ولكن من حيث هي صورة. هذا يعني أنها تظهر النموذج الأصلي. وهذا الإكرام لا يتوقف عند الأيقونة ولكن من خلالها يصل إلى العنصر الأول بحسب قول القديس باسيليوس الكبير: “إن إكرام الأيقونة يرجع إلى عنصرها الأول”.

فإن كنا نكرّم سيدنا يسوع المسيح وأمه والقديسين فلماذا لا نكرّم أيقوناتهم؟ هذا ما قاله القديس يوحنا الدمشقي للإمبراطور لاون الإيصوري: “فإما أن تلغي الاحتفال بأعياد القديسين وفاسمحوا لنا بإكرام أيقوناتهم. هناك سجود العبادة، الذي لا يجوز لغير الله، الذي هو الأعظم وسيد كل المخلوقات. إنها العبادة وبعد هذه العبادة الفائقة هناك علامات الشكر، الكثيرة والمختلفة، والإحترام والتكريم المقدمة للمخلوقات بسبب بعض ميزاتها المعطاة لها كالسجود التكريمي مثلا أمام بقايا قديس، وأيقونة، وشخص قديس، و أشياء مخصصة للخدمة الالهية، و لأصحاب الجلالة، ولأي شخص، لأنه صورة الله. فبهذا الشكل يعتبر السجود الإكرامي للأيقونة أمراً طبيعياً.

فالأيقونة هي كتاب لغير القادرين على القراءة. إنها تذكرنا بتاريخ الخلاص كله وبصنيع الله وبأسرار تدبيره الإلهي. أنها تعليم صامت للتشبّه بمثل القديسين. أنها قناة لانسكاب النعم الإلهية. فهي صلة وصل بالنعمة وبها ومن خلالها يوزع الله إحساناته وعطاياه علينا. فهي تشترك، بشكل من الأشكال، في قوة النموذج الأول، الذي تمثله وفي صلاحه. ويمكننا القول بأن النعمة الإلهية، والعمل الإلهي يقيمان ويسكنان في الأيقونة كما يسكنان في البقايا المقدسة.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share