متى العيد للوجه الحقيقي ؟

mjoa Monday December 6, 2010 87

تقول سيرة القدّيسة بربارة البعلبكيّة (+305) إنّها استشهدت بسبب اعتناقها المسيحيّة، وإنّ أباها ديوسقوروس هو مَن تطوّع لتنفيذ مهمّة بتر رأسها بالسيف. وتقول الرواية إنّ بربارة الشابّة الجميلة قد فرّت من وجه أبيها ولجأت إلى الجبال حيث انشقّت إحدى الصخور وآوتها في جوفها. لكنّ ذلك لم يمنع السلطة الحاكمة من إلقاء القبض عليها وتعذيبها بأصناف شتّى من الوسائل وصولاً إلى القضاء عليها بالموت.

سيرة القدّيسة بربارة التي تشبه سير العديد من الشهيدات، كتقلا ومارينا وكريستينا وكاترينا، اتّخذت عند عامّة الناس طابعًا مميّزًا واحتفاليًّا. ففي عيدها، الذي يقع في الرابع من كانون الأوّل من كلّ سنة، يطغى الطابع الفولكوريّ على ما عداه، ويأتي في بعض ممارساته على حساب الطابع الإيمانيّ الذي ينبغي أن يسم الأعياد الدينيّة، حتّى أنّ ألسنة العامّة تغيّب اسم القدّيسة عن عيدها فتقول: “عيد البربارة” (مع تعريفها بالألف واللام) عوض القول: “عيد القدّيسة بربارة”، على غرار قولهم “عيد مار جرجس” أو “عيد مار نقولا”… هكذا يصبح العيد للبربارة (أي للقناع) لا للقدّيسة صاحبة العيد. وما يؤكّد كلامنا هو أنّ المسيحيّين في بلادنا تخلّوا أو كادوا أن يتخلّوا عن تسمية بناتهم بهذا الاسم المبارك، لأنّه أصبح مدعاة للسخرية عند الناس، لا لاحترامهم القدّيسة الشهيدة.

يسود الأوساط الشعبيّة الاعتقاد بأنّ بربارة حين لجأت إلى الجبال تنكّرت كي لا يتعرّف عليها مَن يلاحقها لاعتقالها. هي تنكّرت لتنجو بنفسها من أيدي جلاّديها، فيما عامّة الناس يتنكّرون بالأقنعة للتهريج عليها بالأهازيج “هاشلة بربارة” التي لا تخلو أحيانًا كثيرة من الألفاظ البذيئة. هي هاربة بقناعها من وعيد بالقتل، فيما الناس يسخرون بعضهم من بعض. فتاة ذاهبة إلى الموت نواكبها بتهريج عظيم. وإذا شئنا المقارنة لسألنا: هل يجوز في يوم الجمعة العظيمة، يوم صلب المسيح، أن نرقص ونغنّي أهازيج مماثلة للتي نقولها يوم عيد القدّيسة بربارة؟

عيد بربارة صار عيدًا للبربارة، صار عيدًا للقناع، لا عيدًا للوجه المخلوق على صورة الله ومثاله. يصبح العيد مرادفًا لهالوين بشعوذاته وخرافاته. وقريبًا سيأتي عيد الميلاد مع مهرّجه السمج، بابا نويل، الذي يريد بعضهم أن يقنعنا بأنّه هو نفسه القدّيس نيقولاوس. غير أنّ ثمّة فارقًا كبيرًا بينهما هو أنّ نيقولاوس كان يأتي مجّانًا بالهدايا إلى الفقراء والمعوزين، فيما بابا نويل لا يأتي بهديّة إلاّ لـمَن أدّى ثمنها، أمّا مَن لا يملك ثمن هديّة لأطفاله فيخرج بلا هدايا. نيقولاوس حبيب الفقراء يصبح في عصرنا بابا نويل التاجر الجشع. تتحوّل بربارة إلى هالوين، ونيقولاوس إلى بابا نويل، والمسيح إلى سوبر ستار!

بيد أنّ ثمّة تقاليد حميدة ترافق عيد القدّيسة بربارة مثل التئام شمل العائلات والأصدقاء للصلاة وتبادل التمنّيات بمواسم فيّاضة بالخير والبركات، ولتناول القمح المسلوق مع بعض الجوز والصنوبر والزبيب، والقطايف وسواها من الحلويات المنزليّة التي تتوافق واحترام مقتضيات الصوم الذي يتهيّأ فيه المسيحيّون لميلاد المسيح. أمّا الجولات التي يقوم بها الكبار والصغار المقنّعين إلى منازل الأقرباء والجيران فكانت، في ما غبر من أيّام، ضمن الإطار ذاته الذي يضمّ تلك التقاليد الحميدة، إذ كانت تلك الجولات بعيدة عن روح الاستهلاك السائدة حاليًّا.

ما بات بديهيًّا هو أنّ الناس تحبّ أن تضع قناعًا على وجهها. تخاف الناس من أن تُظهر وجهها الحقيقيّ. ثمّة دومًا ما هو مخفيّ. الحقيقيّ أو بعضه هو المخفيّ. يريد الناس أن تراهم على غير حقيقتهم. إذا اكتشفتَ بعض حقيقتهم حقدوا عليك وحاربوك ووصموك بأبشع الأوصاف. متى يخلع الناس أقنعتهم؟ فقط حينما يتجمّلون. شرط خلع القناع هو الجمال، أي حين لا يسع أحدًا أن يرى فيك عيبًا أو نقصًا. فمتى تكون لنا الجرأة على خلع أقنعتنا ورميها إلى الأبد؟ متى ستنتصر بربارة على البربارة؟

  

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share