الإخوة الأحباء
بماذا نؤمن؟؟
كما يقول أبونا و سيدنا جورج نحن نؤمن “بكنيسة واحدة” كما نردّد في دستور الإيمان، و لكننا واعون أنها لن تبلغ كمال حقيقتها إلا في اليوم الأخير .. و هذا يطرح إشكالية لاهوتية و رعائية هي غاية في التعقيد إذ يبرز السؤال: إذا كانت الكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة موقع إيماننا فأين هي في الزمان و في كلّ زمان؟؟، أين هي كنيسة الأجداد والآباء ورؤساء الآباء و الأنبياء والرسل و الكارزين و المبشرين والشهداء و المعترفين والنسّاك الذين أرضوا الرب على مدى الدهور ؟
لا يخفى على أحد أن الصعوبات و الأزمات رافقت كنيسة يسوع منذ البدء، منذ يهوذا ، و منذ أن ارتكبت الفحـشاء في كنيسة كورنثوس و منــذ أن اختلـف بولـس و بطرس و لاحقاً قامـت الانشقاقات و البدع… الكنيسة بسببٍ من بشريّتها هي عرضة للأزمات و الانحرافات و مع ذلك و رغم ما يبدو من تناقضٍ، فإنّ الروح الإلهي يحفظها و سيحفظها إلى منتهى الأيام ، و من هنا نقول أننا نؤمن بكنيسة واحدة جامعة مقدّسة رسولية.. نؤمن بأنّها في الحقيقة جسد يســوع و هو عمادها ، و أساسها الإلهي ، نؤمن أنها تتحقق كلّما استحال الخبز و الخمر في الجماعة إلى جسد و دم إلهنا العظيم ، يغذّي حياتنا و يصبغُ بشريتنا الضعيفة في آنية الخزف الهشة بصبغة الألوهة المخلِّصة..كنيسة ربّنا إلهية المصدر، إنسانية المحتوى و الكيان ..و هذا ما يجعل الإشكالية اللاهوتية قائمة في كلّ آن.. رغم وضوح لاهوت الكنيسة في البنية و لكنّ المفاهيم و الممارسات البشرية تقولب الكنيسة ، و تحدّدها في مأسسةٍ دهرية تنسجم مع رؤى أقل ما يقال فيها أنها شخصانية فردية .
المشكلة في الأساس مشكلة بشرية ، تُسقَطُ على الكنيسة من أهواء البشر أستارٌ و حجبٌ من المفردات الإلهية ، وتؤسس عندذاك “كنيسةٌ” على مقياس الإنسان و ليست على مقياس يسوع ، هذه ” الكنيسة ” مشوّهة ، نسخة سيئة لكنيسة لا عيب فيها و لا دنس ، في الكنيسة الشركوية لا تمارس السلطة بالمعنى البشري الحقوقي ، هناك سلطان و ليس سلطة ، هذا السلطان يمارس بالمحبة و الصبر و الهدوء …وسوى ذلك تعسّف في الممارسة .. هذا التعسّف الذي حدث مراراً عبر العصور سبّب آلاماً كثيرة و شرذمة للجسد الإلهي .
من هنا فبنو البشر مدعوون إلى الحياة في الكنيسة، دعوةُ جهادٍ وشهادةٍ ، دعوة سلامٍ وفرحٍ لتذوّق نعمى الخلاص ، “ذوقوا و انظروا ما أطيب الرب”،، و لكن أن تعيش الكنيسةَ في بعدها الخلاصي التقديسي فهذا يضرم كيانَك لتكون كما طلب السيد : أن تحمل الصليب وتتبعه ، شاهداً ، باذلاً .. و عندها يصبح العالم كلّه حقل حصاد بين يديك .
الكنيسة يا أحبة مسرى فرح و قداسة و محبة ، واحة سلام و هدوء عندما تُعاش المحبّة الراعية الباذلة في نقاء و تواضع ، و تكون موضعَ ألمٍ و إحباط عندما تتحوّل مؤسسةً بشرية ، تتنازعها شهوات السلطة و المال و أهواءُ أبناء الدهر مهما تكن لبوسهم.
المشكلة بين الماضي و المستقبل كما أراها هنا تتلخص في حاضرٍ يريد سرقة الماضي و تحطيمه باسم المستقبل.
إنّ لقاءنا اليوم ، في هذه الظروف التي لا تخفى على أحد هو لقاءٌ مفصلي في حياة مركزنا الحركي، و لن أبالغ في أنّ منعكسات ما نمرّ به تطال حركة الشبيبة الأرثوذكسية في المدى الأنطاكي الشامل.
إنّ ما كنّا نعتبره من البديهيات في ما مضى أضحى الآن يحتاج لمراجعةٍ شاملة لآلام الماضي واستقراءٍ لطبيعة المشاكل التي نجابه وسنجابه في المستقبل ، يجب أن نمتلك من الزخم و الإرادة لتقييم موضوعي لأدائنا الحركي ، إلى دراسةٍ واقعية في أسباب ما حدث و ما يحدث ، و لمصلحة من كل ذاك؟ هل ما يُمارس هو لخدمة الكنيسة و شهادتها ؟ ما جذر المشكلة يا إخوة ؟ هل هو سوء تفاهم بين أشخاص ؟ هل إذا استثني بضعة أشخاص من هذا الموقع أو ذاك يعيدُ الأمورَ إلى نصابها ؟ غريبٌ هذا المنطق ..إن كان الأمر هو ذاك فأنا – و أعتقد جازماً – أنّ كلّ واحد من الإخوة على استعداد أن يكون أصغر الخدام و آخرهم ، و لكنّي بعد هذه السنوات أصبحت أرى الأمر غير ذلك ، المعضلة تكمن في مفهوم السلطة و أدواتها وممارستها ، كما ينسحب ذلك على مفهوم الرعاية التي غدت انتقائية ، إنّ ما نشهده و ما وصلت إليه الممارسات الكنسية في كافة مستوياتها و في العلاقة المتوترة التي لا وصف لها إلا أنها ممارساتٌ تسلطية بامتياز ، مغشاةٌ بثوبٍ ديني إلهي ، لا أثر فيها سوى لإنشاء لغوي عن المحبة و الرعايـة لتسويق الاستراتيجيات المخجلة و المعيبة عبر أطرٍ شكلية من المؤسسات التي غالباً ما تكتفي من المعلومات بما يقدم لها من وجبات جاهزة و من ثمّ تهتزّ الرؤوس بالموافقة ، و لتذهب الفئة المارقة هباءً.
نعم يا أحبة ، هذا مؤلم و محبطٌ ٌ، و لكنّ هذا يدعونا أكثر لالتزام كنيستنا ، يدعونا أكثر لنبدي محبتنا ، يدعونا أكثر لنكون على الرجاء أنّ الروح الذي هبّ في أنطاكية قبل سبعة عقودٍ سيبقي شعلة النهضة وضاءة ، لن تخبو محبتُنا لكنيستنا رغم كل شيء ، نعترف بتواضع أنّنا نحن أوّلُ الخطأة ، وآخرُ التوابين، نعتذر إذا أخطأنا ، فليس هناك سوى واحدٌ منزه عن الخطيئة ، لا ننازع أحداً سلطةً ما و لا نسعى إليها أصلاً ، بل نحترمُ كلَّ سلطانٍ بالحقِّ و المحبّة ، نعرف تماماً اللياقة و الترتيب في الأمور، و قد تكون المشكلة هي في المعرفة ، و لكننا لا نرضى أن تُسحقَ حريتُنا في المسيح بحججٍ واهيةٍ وهو حياتنا و قبلتنا إذ “به نحيا و نتحرك و نوجد” و ليس لنا سواه ربٌ و مثال، نؤمن بمعموديتنا فعلَ إيمانٍ، ندرك أنّ الربّ يريدُنا رسلاً لإنجيلٍ مُعاشٍ ، يريدنا للفقير إخوةً ، و للمظلوم و المحروم سنداً ، يريدنا بناةً لوطنٍ مع شركاءَ لنا في العيش على ترابه .. هذا التراب الذي وطأته قدما السيد الطاهرتان و قدّستاه…. في هذه البقعة شهادتنا و إرثنا ..و هنا و الآن كنيستُنا و كنيسةُ أبنائِنا و أحفادِنا..
إنّنا أكّدنا في كافة الأوقات – و نؤكّد الآن و هنا – استعداد المركز الدائم لتجاوز الأزمة و حاولنا عبر العديد من القنوات و خلال سنوات أن نصل إلى صيغة تفاهم و أسلوب عمل حقيقي برعاية راعي الأبرشية ، و حتى أنّ ما صدر عن المجمع المقدس لم يكن جديداً ، و هو في الأساس موقفٌ شبهُ متفقٍ عليه ، و لكن في كل مرّة كنا نجابَه بخطواتٍ و طلباتٍ تعرقل الوصول إلى حل ، دون أيّ مبادرةٍ أو موقف يعبّر عن رعاية و احتضان بل تغييبٌ مطلق و تجاهل متعمّد على مستوى الجماعة و الأفراد.
رغم كلّ ذلك أنا على ثقةٍ تامةٍ أن جميع الإخوة يطمحون إلى حلٍّ يحفظ لكنيستنا سلامها و شهادتها ، و نحن على الرجاء أنّ الربَّ بصلوات الآباء و الإخوة سيتعطّف علينا و ينقّي القلوب لكي يحلَّ السلام لتكون كنيسة حلب كما عهدها دائماً.
إخوتي الأحباء ،
لقد تراجع العديد من أطر العمل الحركي في الفترة الماضية ، و خاصة على مستوى أسرتي الميلاد و البشــارة في حين كانت هناك علامــات مضيئة في أســر العنصرة و الظهور الإلهي و الصعود الجامعية ، كما كان الأداء في مركز المخيمات مقبولاً رغم الصعوبات الإدارية أما الأسر التربوية فتتابع أنشطتها المحدودة في ظروف صعبةٍ، كما أسرة الأب جورج شحوارو للصم…
أتمنى على مجلس المركز القادم أن يتفرّغ للعمل داخل المركز مستنبطاً وسائل جديدة و أفكاراً عملية لتطوير العمل و الشهادة ، و أن يعتبر توصيات الهيئات التخصصية الماضية برنامج عمل للأسر.
أحبائي،
لما كانت الظروف التي نمرّ بها استثنائية ، و بعد الكثير من المشاورات و اللقاءات ، أتمنى من الهيئة العامة باعتبارها أعلى سلطة في المركز أن توافق – دون تحفظ- على الاقتراح التالي فيما يخص رئاسة المركز، و خاصة أنّ هذا رأي معظم الإخوة :
أقترح تكليف لجنة من الإخوة : بسام يوسف ، كنان سمعان ، جورج طيار، و الأخ سيمون عبد الله باعتباره رئيس الهيئة العامة , والاخ حنا أفتيم كأمين السر لهذه اللجنة تناط بها صلاحيات رئيس المركز و ذلك بشكلٍ استثنائي ، على أن تُدعى الهيئة العامة فور توفر الظروف المناسبة لانتخاب رئيسٍ للمركز بشكلٍ نظامي. و لهذه اللجنة أن تضع استراتيجية عملها و أسلوب الإدارة الذي تراه عملياً ليكون الأداء إيجابياً و فاعلاً للفترة القادمة و تشكل مجلساً للمركز ولها أن تستعين بمن تراه مناسباً للخدمة في أي موقع.
في الختام ،
أشكر محبتكم و التزامكم و أرجو أن تغفروا لي تقصيري ، فقد حاولت جهدي ، و لولا سند الكثيرين منكم و التزامهم لما كنت قادراً على تحمّل عبء الأيام الماضية ، أملي أن نكون جميعاً ، كما كنّا ، جماعةً واحدةً ، خادمةً ليسوع و الكنيسة ، جماعةَ صلاة و محبة و انفتاح ، جماعة شهادة و عيش الكتاب و سوى ذلك فلسنا بشيء..
محبتي لكم و السلام