هو أحد أمراء بني إسرائيل الذين اجلاهم نبوخذنصّر، ملك بابل، إلى بلاده بعدما استولى على أورشليم في حدود العام 597 ق.م. في السنة الثالثة من ملك يوياقيم، ملك يهوذا. وقد اختير دانيال من ضمن مجموعة من الأمراء الفيتة الذين لا عيب فيهم، حسّان المنظر، يعقلون كل حكمة ويدركون العلم ويفقهون المعرفة، ممن يكونون أهلا للوقوف في قصر الملك ولتعّلم أدب الكلدانيين ولسانهم”(دانيال 1 :4). وكان من المفترض أن تعدّ المجموعة خلال ثلاث سنوات في ما يشبه الأكاديمية الملكية ثم توضع في خدمة الملك. كان دانيال في حدود السابعة عشرة من عمره. وقد اعطي اسم بلطشصرّ وحددّت له حصّة يومية من طعام الملك وخمر شرابه. الأمر نفسه حصل لفتية ثلاثة آخرين من أمراء اسرائيل هم حنانيا وميصائيل وعازريا. وقد أعطي الأول اسم شدراخ والثاني اسم ميشاخ والثالث اسم عبدناغو.
ولم يكن يشأ دانيال ورفقته أن يتنجسّوا بطعام الملك وشرابه. أغلب الظن لأنه كانت له علاقة بالأوثان. ذاك كان عندهم حراما يوازي الشرك وتاليا الكفر بإله إسرائيل. فسألوا رئيس الخصيان المولجّ إليه أمر العناية بهم أن يعفيهم فوافقهم، بعون الله.بعد لإي، فاكتفوا من الطعام بحبوب القطاني ومن الشراب بالماء. وكانت النتيجة ان بساطة طعام الأربعة، على بركة الله، متعّهم بصحة وعافية فاقتا سائر الشبّان الذين اغتذوا بمآكل الملك.
“واعطى الله اولئك الفتية الأربعة معرفة وفهما في كل أدب وحكمة. وكان دانيال ذا فطنة في جميع الرؤى والأحلام” (دانيال 1 :17). فلما وقفوا امام الملك في الوقت المعيّن لهم فاقوا بعشرة أضعاف جميع السحرة والعرّافين في المملكة.
وسنحت الفرصة لدانيال ان يظهر علمه وحكمته وان يعلو شأنه يوم عاين نبوخذنصّر الملك، اثناء رقاد النوم، حلما أقلقه، فطلب أن يبيّن السحرة والعرّافون والرقاة والكلدانيون والحلم وتفسيره. لم يكتف بالتفسير لأنه قال يكذبون عليّ، ولكن لو عرفوا الحلم أولا لأمكنني تصديقهم. فأجاب الكلدانيون أنه لا طاقة لإنسان على ذلك سوى الآلهة “الذين لا سكنى لهم مع البشر” (دانيال 2 :11). فغضب الملك و طلب أن يبادوا, فلما بلغ دانيال قرار الملك استوضح الأمر ثم طلب مقابلته. فلما دخل عليه استمهله زمانا لتبيان الحلم وتفسيره فأمهله. والتمس الأربعة، دانيال ورفقته، رحمة ربّهم فانكشف له السرّ في رؤيا الليل.
عاد دانيال إلى الملك وأبان له الحلم وتفسيره، فسقط “نبوخذ نصّر على وجهه وسجد لدانيال، وأمر أن تقرّب له تقدمة وبخور رضى”. واعترف الملك بأن إله دانيال إله الآلهة حقا وربّ الملوك …(دانيال 2 :46 ..). ثم أعطاه هدايا عظيمة كثيرة وسلّطه على كل إقليم بابل وجعله رئيسا أعلى على جميع حكماء بابل. كما وليّ شدراخ وميشاخ وعبدناغو بناء لطلب دانيال على شؤون إقليم بابل.
بعد ذلك بزمن نصب نبوخذنصّر تمثالا ضخما من الذهب وأمر ان يسجد له جميع الناس فأطاعه الخلق كلهم. ولكن وشى الكلدانيون بألفية الثلاثة أنهم لم يذعنوا، فأرسل الملك في طلبهم غاضبا وهدّد بإلقائهم في وسط آتون النار المتّقدة إن لم يفعلوا. فأبى الثلاثة ان يسجدوا لغير إلههم وأسلموا لربهّم. إذ ذاك أمر الملك بإحماء النار سبعة أضعاف وإلقاء الثلاثة فيها وهم في سراويلهم وأقمصتهم وأرديتهم وألبستهم. فمن لظى النار احترق الذين أتوا بالثلاثة إلى الآتون. كان الثلاثة موثقين. عوض ان تلتهم ألسنة اللهب الفتية نزل ملاك الرب إلى الآتون وطرد لهيب النار وجعل في وسط الآتون ما يشبه نسيم الندى المنعش فلم تمسّهم النار البتة، لا هم ولا ألبستهم، فانشدوا وسبحّوا وباركوا الله.
أما عازريا فتفّوه بكلام طالما رددّته الألسن في الكنيسة على مدى الأجيال لأنه تخطى الفتية الثلاثة إلى كل شعب الله “..يا رب إله آبائنا…عادل أنت في كل ما صنعت بنا… قد أخطأنا وآثمنا وابتعدنا عنك… ولم نسمع لوصاياك ولم نحفظها ولم نعمل بما أمرتنا به لكي يكون لنا الخير… فكل ما صنعته بنا… إنما صنعته بحكم حق. فأسلمنا إلى أيدي أعداء أثمة… والآن فليس لنا ان نفتح فمنا لأننا صرنا خزيا وعارا نحن عبيدك… ولكن لا تخذلنا إلى الغاية من أجل اسمك.. من أجل إبراهيم صفيّك وإسحق عبدك وإسرائيل قدّيسك… لم يعد لنا في هذا الزمان رئيس ولا نبيّ ولا مدبّر ولا محرقة ولا ذبيحة ولا قربان ولا بخور.. لكي ننال رحمتك… لكن اقبلنا لانسحاق نفوسنا وتواضع أرواحنا… فإنه لا خزي للذين يتوكّلون عليك. أننا نتبعك اليوم بكل قلوبنا ونتقّيك ونبتغي وجهك فلا تخزنا… أعط يا رب مجدا لأسمك. ليخز جميع الذين أروا عبيدك. المساوىء.. وليعلموا أنك انت هو الرب الإله وحدك…”.
اما الثلاثة معا فلما لم تسؤهم النار ولم تزعجهم، فقد سبّحوا وباركوا ودعو الخليقة كلها المنظورة وغير المنظورة إلى التسبيح معهم، أعمال الرب وملائكة الرب وسماوات الرب، والشمس والقمر والنجوم، والبرد والحرّ والندى، والبرق والسحاب، والليل والنهار، والجبال والتلال، والبحار والأنهار، والحيتان والطيور، والبهائم والوحوش، وكل بني البشر، وإسرائيل، وكهنة الرب، وأرواح ونفوس الصدّيقين والقدّيسين المتواضعي القلوب.” لأنه أنقذنا من الجحيم وخلّصنا من يد الموتى…”.
وكان ، بعد ذلك، ان دّهش نبوخذنصّر لما حدث لا لأن النار لم تحرق الفتية الثلاثة ولا غيّرت ألبستهم ولا لصقت بهم رائحة النار وحسب، بل لمنظر عجيب شهد له قائلا :”ألم نكن ألقينا ثلاثة رجال في وسط النار وهم موثقون… إني أرى أربعة رجال مطلقين يتمشّون في وسط النار… ومنظر الرابع يشبه ابن الله” (دانيال 3: 24 وما يتبعها). ثم إن نبوخذنصّر أعطى الفتية الثلاثة الأمان وبارك إلههم قائلا :” تبارك إله شدراخ وميشاخ وعبدوناغو الذي أرسل ملاكه وأنقذ عبيده الذين توكّلوا عليه وخالفوا أمر الملك وبذلوا أجسامهم لئلا يعبدوا ويسجدوا لإله غير إلههم… فمن إله آخر يستطيع أن ينجّي هكذا… فما أعظم آياته وما أقوى عجائبه! ان ملكوته ملكوت أبدي وسلطانه إلى جيب فجيل”.
ثم كان بعد حين ان عاين نبوخذنصّر حلما آخر أقلقه رأى شجرة عظمت حتى بلغ ارتفاعها السماء ثم نزل “ساهر قدّيس فقطعها الى أصلها في الأرض. والشجرة كانت بشرا أعطي قلب وحتى سبعة أزمنة. وجيء بدانيال مفسرا فاستفظع الحلم وخشي البوح بتفسيره الا بعد الأمان. والكلام كان ان نبوخذنصّر هو تلك الشجرة، فقد زادت عظمته السماء وسلطانه أقصى الأرض، فاستكبر، والله مزمع أن يزيل عنه الملك ويطرده من بين الناس ويسكنه بين الوحوش ثم يرد له عقله ويستردّه بين الناس ويعيد إليه ملكه ليتعلم ان من سار بالكبرياء فهو قادر على إذلاله (4 :34 ) وان الملك لله”يجعله لمن يشاء.. وجميع سكان الأرض يحسبون كلا شيء أمامه”. وقد حدث كما تفوّه دانيال وتعلّم الملك درسا قائلا :”باركت العليّ وسبّحت وعظمت شأن الحي للأبد الذي سلطانه سلطان أبدي وملكه إلى جيل فجيل” (4 :31 ).
وحل بلطشصّر في الملك محل نبوخذنصّر فترفّع هو أيضا على ربّ السماء فكانت له هذه الحادثة ضربة قاضية : دعا، مرة، ألفا من عظمائه وشرب هو وعظماؤه ونساؤه وسراريه خمرا بآنية الذهب والفضّة التي أخرجها نبوخذنصّر من الهيكل الذي بأورشليم. للحال ظهرت أصابع يد إنسان وكتبت تجاه المصباح على كلس حائط قصر الملك والملك ينظر طرف اليد التي تكتب. فتغيرت سحنة الملك وروّعته هواجسه واصطكت ركبتاه. ولما طلب العرّافين والكلدانيين والمنجّمين ليفسّروا له الكتابة أخفقوا إلا دانيال الذي قال له لأنه ترفّع قلبه واستعمل آنية بيت الرب لشرب الخمر ولم يعظم الذي في يده كل نسمة وعنده جميع الناس، لذلك يحصي الله أيام ملك بلطشصر وينهيها ويقسم المملكة ويسلمها إلى ميديا فارس. وكان كما قال دانيال. وقتل الملك في تلك الليلة عينها.
وأخذ الملك داريوس الميدي فجعل دانيال أحد وزرائه الثلاثة. وقد فاق دانيال الوزراء والأقطاب جميعا “لأن روحا بارعا كان فيه”، فطلب الحسّاد عليه علّة فلم يجدوا. فالتمسوا من الملك أمرا يمنع فيه الناس من الطلب إلى الآلهة أو الناس إلا إليه تحت طائلة الإلقاء في جبّ الأسود. وقد أقام الحسّاد نظارا يراقبون دانيال ليشتكوا عليه. وكان دانيال معتادا أن يسجد ثلاث مرات في اليوم باتجاه أورشليم ويصلّي لله ويحمده. فلما درى النظّار بأمره نقلوا خبره على الملك فاغتم لأنه كان يحبّه. لكنه لأجل الرسوم والأحكام أمر بإلقائه في جبّ الأسود. وبات الملك ليلته قلقا. وعند الفجر أسرع إلى جبّ الأسود ونادى بصوت حزين :” يا دانيال، عبد الله الحيّ، هل استطاع إلهك الذي تواظب على عبادته ان ينقذك من الأسود ؟ فأجابه دانيال :” أيها الملك، حييت للأبد. إن إلهي أرسل ملاكه فسدّ أفواه الأسود فلم تؤذني لأني وجدت بريئا أمامه. وأمامك أيضا، أيها الملك. لم أصنع سوءا”. ففرح به الملك فرحا عظيما وأمر بإخراجه من الجبّ فلم يوجد فيه أذى لأنه توكّل على إلهه، أما الوشاة فألقوا في الداخل فتسلّطت عليهم الأسود وحطّمت عظامهم. وقد أقرّ داريوس بشأن إله دانيال أنه هو “الإله الحي القيوم للأبد، وملكه لا ينقرض وسلطانه إلى المنتهى. المنقذ المنجّي والصانع الآيات والعجائب في السموات والأرض…” (6 :27 -28 ).
وكان دانيال ناجحا في ملك داريوس وقورش الفارسي معا.
الطروبارية
عظيمة هي تقويمات الإيمان لأنّ الثلاثة الفتية القدّيسين قد ابتهجوا في ينبوع اللهيب كأنّهم على ماء الراحة والنبيّ دانيال ظهر راعياً للسباع كأنّها غنم فبتوسلاتهم أيّها المسيح الإله خلّص نفوسنا.