القديسة البارة كسينيا الروميّة (القرن 5م)
اسمها في المعمودية كان أفسافيا أي “التقية”، ولدت ونشأت في رومية لوالدين من الأشراف، فلما بلغت سنّ الزواج رغب والداها في زفّها إلى شاب يليق بها، فلم تلق الفكرة لديها ترحيباً لأنّ رغبة قلبها كانت أن تصير راهبة. لكنّها سكتت ولم تبد اعتراضاً، فيما استقرّ في نفسها أن تغادر أبويها سرّاً قبل حلول يوم الزفاف، وكشفت الأمر لإثنتين من خادماتها ودعتهن إلى مرافقتها فوافقنها. وسعت إلى توزيع هداياها الزوجية على الأرامل والأيتام. وإذ اكتملت عدة الزواج غادرت النسوة الثلاث وتوجهّن إلى مكان بعيد فوصلن إلى جزيرة كوس اليونانية، فلما حططن هناك عثرّن على منزل معزول فاستأجرنه. ومذ ذاك غيرّت أفسافيا اسمها وصارت تدعى “كسينيا” تعني “غريبة”.
بعد حين أطلّ عليهن رجل ملائكي الطلعة، كان راهبا، رئيس دير واسمه بولس استجارت به النسوة الثلاث ورافقنه إلى ديره، فأقمن في ميلاسا بقرب دير الشيخ، وبنين لأنفسهن كنيسة كرّسنها لأول الشهداء أستفانوس. وقد أضحى المنسك فيما بعد ديرا حين ذاع صيت كسينيا وأقبلت النسوة إليها يطلبن الحياة الملائكية على يديها.
اختير الراهب أسقفا لميلاسا فجعل كسينيا شمّاسة رغم تحفّظها الشديد. وقد ضاهت بسيرتها الملائكية وتكبّدت من أجل ربّها مشاقا عظيمة. وكانت تجاهد في الصلاة والسجود الليل بطوله. وكثيرات شاهدنها تركع في الصلاة من ساعة غياب الشمس إلى ساعة ضرب الناقوس صبيحة اليوم التالي. وكانت أحيانا تمضي الليل في الصلاة ببكاء لا ينقطع. سيرتها انعجنت بالوداعة والمحبّة الفائقة.
لما دنت ساعة مفارقتها دعت راهباتها وزوّدتهن بإرشاداتها وبركتها، ثم أقفلت على نفسها في الكنيسة إلى ان أسلمت الروح. وقد ذكر شهود عيان ان الطيب فاح ساعتئذ من الكنيسة، كما ذكر آخرون ان مرضى عديدين شفوا برفاتها. اما خادمتا كسينيا فلم تلبثا طويلا حتى فارقتا كما ليكون الثلاثة معا في الممات بعد ان كن معا في الحياة.