لطالما قرأنا واستفدنا من خلال مطالعتنا لكتب الأدب النسكي المعروفة, مثل: بستان الرهبان وأقوال الآباء الشيوخ ومن أخبار وحكم الآباء النساك. وورد فيها سير وأقوال لكبار نساك كنيستنا الأوائل: أنطونيوس الكبير, مكاريوس الكبير وباخوميوس وثيوذوسيوس….الخ ولكن لا نجد فيها من سير أمهاتنا الناسكات إلا فيما ندر
فصار هاجساً لدي أن أعرف: هل كان النسك للمرأة مرهقاً؟ سألت أحد الرهبان ذات مرة فقال لي: “لا أبداً. لقد فاقت المرأة الرجل في نسكها وتقشفها في بعض الأحيان” وضرب لي مثالاً هو القديسة مريم المصرية. حسنٌ هو هذا الكلام ولكن أين هو الدليل؟
وبحثت وبحثت في الانترنت والكتب التي بحوزتنا في مكتبتنا العربية وعثرت على شيء ما ولكنه لم يشفي غلّي. إلى أن أهداني أحد الأشخاص المحبّين والعزيزين على قلبي كتاب: “الميتريكون أو كتاب أمهات البرية الناسكات والقديسات البارات في الكنيسة الأرثوذكسية – الجزء الأول”
وقع عنوان الكتاب كمفاجأة وصدمة لي, لأني لم أتوقع وجود كتاب من هذا النوع, الكتاب من تعريب راهبات دير القديس يعقوب الفارسي المقطع اللواتي يعملن بجد واجتهاد وبخاصة في السنوات الأخيرة في سبيل ترجمة ونشر العديد من الكتب الآبائية. قام بنشر الكتاب تعاونية النور الأرثوذكسية للنشر والتوزيع م.م المنبثقة من صميم حركة الشبيبة الأرثوذكسية, وهذا ما لاقى استحساناً في نفسي وخاصةً لعراقة منشورات النور واهتمامها بنشر هذا الكتاب
الكتاب من 330صفحة يحوي سير العديد من أمهاتنا, مثل: القديسات كاسياني ناظمة التسابيح, مريم المصرية, مكرينا، الأم سارة, ميلاني الصغرى والكبرى, المغبوطة إيلاريا…الخ. يحوي أيضاً مختارات قصصية أعدتها الراهبات اللواتي قمن بالترجمة حول عدد من الناسكات القديسات الأخريات
طالعت الكتاب بنهم في يومين أو ثلاثة، وأعدت قراءته في أسبوع كامل ولم أشبع منه, كتاب روحي عميق, يبرز أهمية المرأة في الحياة الكنسية النسكية والتقديسية ويسد أفواه العديدين ممن يتهمون الكنيسة بالتمييز العنصري بين الرجل والمرأة
أشكر راهبات دير القديس يعقوب الفارسي المقطع على عملهنَّ المبارك هذا والذي أرجو أن يكلل بترجمة باقي أجزاء الكتاب وبترجمة أعمال أخرى لأمهاتنا وآباءنا الأبرار الذين لمعموا بالنسك والجهاد المقدّس. وأشكر تعاونية النور على نشرها الكتاب راجياً أن تكون كل منشوراتها على مستوى هذا الكتاب غذاءً نتلقفه يوماً فيوماً. وأدعو كل الأخوة المحبين للقراءة والمتعطشين إلى نهر روحي يروي ظمأهم أن يبادروا فيقرأوا هذا الكتاب.
ميلاد جبارة