كلّه للخير

mjoa Sunday March 13, 2011 211

 في إحدى البلاد البعيدة التي كان يحكمها أحد الملوك وكان كبير وزرائه هو أقرب أصدقائه، وكان هذا الصديق مشهوراً بتدينه وبسيرته الطيبة وبالتالي أحبه الجميع وعُرف عنه بين الناس أنه في كل مشكلة كانت تحصل له كان يقول: الحمد لله كله للخير.

كان الملك معتاداً على الخروج فى رحلة صيد سنوية وكان يصطحب فيها كبير الوزراء فقط الذي يقوم بإعداد الأسلحة للملك أثناء الصيد.

وفي إحدى هذه الرحلات وأثناء تجهيز رئيس الوزراء للبندقية الذي سيستخدمها الملك في الصيد انطلقت رصاصة بطريق الخطأ أطاحت بأحد أصابع يد الملك، فصرخ متألما فاقترب صديقه منه ونظر مكان الإصابة فقال له: الحمد لله كله للخير!

فاستشاط الملك غضباً وأجابه: أتسمي فقداني لأحد أصابعي خيراً؟ هل تمزح؟! حسناً سأريك كيف يكون الخير.

ثم أمر الملك بحبس صديقه رئيس الوزراء، ولم تشفع له توسلات المحيطين به، فقد أعمى الغضب عينيه وصمم على الانتقام من الذي كان السبب في فقدانه لإصبعه.

أما هذا الصديق فقد التزم الصمت وحتى لم يحاول استعطاف صديقه ولسان حاله يقول: كلّه للخير!

ومرّ العام وفي ميعاد الرحلة السنوية خرج الملك وحده لأول مرة ومرت بخياله أحداث العام الماضي التي جعلته يحبس أقرب أصدقائه ولكنه تناسى الأمر وانشغل بالصيد.

بينما كان الملك منشغلاً بالبحث عن الفرائس لم يلحظ أنه ابتعد كثيراً عن الأماكن المألوفة له، وفجأة أحاط به أفراد إحدى القبائل البدائية، حاول الملك الهرب منهم ولكنه لم يستطع فحملوه وأخذوه إلى مقر إقامتهم.

لم يفهم الملك أول الأمر ماذا يريد منه هؤلاء الناس وعبثاً حاول التفاهم معهم إلى أن اتّضحت أمام عينيه الحقيقة المفزعة، فهؤلاء الناس بكل بساطة يريدون أن يأكلوه! فقد قاده الحظ العاثر إلى الوقوع أسيراً لدى قبيلة من أكلة لحوم البشر ووقف مذهولاً وهو يرى نفسه مقيداً وهم في حلقة من حوله يدورون ويرقصون ويصرخون صرخات جمدت الدماء في عروقه.

واقتربت لحظة النهاية واقترب زعيمهم منه وقام بفك وثاقه، وأثناء ذلك تركز بصر الزعيم على يد الملك وبالتحديد على مكان الإصبع المفقود فصرخ في من حوله وظهرت عليه علامات الانزعاج وتغير الجو تماماً، وفوجئ الملك بهم يطلقون سراحه ويتركونه لحال سبيله، وعندها أدرك الملك السبب، فأفراد هذه القبائل لا يأكلون إلا الإنسان الكامل ونقصان أي عضوٍ من أعضاء الإنسان يجعله غير مناسب لهم ولطقوسهم في أكل البشر.

عندها تذكر الملك عبارة صديقه “الحمد لله كله للخير”، وأحسّ أنه ظلمه ظلماً شديداً وأن غضبه أعماه عن الحكم الصحيح.

وعند رجوع الملك لبلاده كان أول مكان توجه له هو السجن وقابل صديقه وطلب منه أن يسامحه وحكى له كل ما حدث معه.

الملك: وهكذا ترى يا صديقي أنه لولا أنك تسببت في فقداني لإصبعي لكان قبري الآن هو معدة هؤلاء المتوحشين وأنا في المقابل تسببت في سجنك لمدة عام كامل بسبب خطأ لم تتعمده.

فنظر له صديقه مبتسما وقال له: لا تقلق، فالحمد لله كلّه للخير!

لم يصدق الملك ما سمعه وقال له: أتسمي وجودك في السجن لمدة عام بدون ذنب حقيقي خيراً؟!

فرد عليه باسماً: طبعاً خير، فلولا وجودي في السجن عند خروجك للصيد لكنت خرجت معك وأصبحت أنا الوجبة المناسبة لهم!

أصدقائي بعد أن قرأتم هذه القصة دعوني أتساءل هل لدينا إيمان هذا الصديق الذي ينظر لجميع الأشياء أنها للخير حتى لو رأى الجميع أنها ليست كذلك؟ يا ليتنا نثق أن كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله، وأن أحكامه أبعد ما تكون عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share