المرأة في الكتاب المقدس – من حوّاء إلى مريم

mjoa Sunday April 10, 2011 248

إيما غريب خوري – تعاونية النور الأرثوذكسية للنشر والتوزيع م.م.

أنجزت مَطبعة الينبوع طباعة هذا الكتاب في شهر آذار 2011

المقدمة

يلاحظ قارئ الكتاب المقدّس، عند تقليب صفحاته، بروز أوجه نسائيّة عدّة تلعب، في العهدين القديم والجديد، أدوارًا محوريّة في حبكة الرواية الكتابيّة. ومنهنّ من تتّخذ مكانة أساسيّة في التاريخ الكتابيّ. فنرى، في بداية الكتاب، حوّاء تؤدّي الدور الأساس في اتّخاذ القرار الذي سيحوّل مسيرة الإنسان في ما يلي من أسفار. فمن جهة تستمع إلى غواية الحيّة وتغري رجلها بالأكل من الشجرة الممنوعة، ومن جهة أخرى نقرأ في موضع لاحق في سفر التكوين أنّها ستكون، من خلال شيت ابنها الذي أعطي لها بدل هابيل، أمًّا لنسل الأبرار الذين سيخرج منهم أخنوخ ونوح وإبراهيم وثمّ يسوع المسيح نفسه بحسب رواية لوقا الإنجيليّ. هذا التضادّ الظاهر بين الدورين، هو الذي سيطبع الرواية الكتابيّة وتمييزها بين إسهام الإنسان في مجرى الأمور، والذي يكون سلبيًا في أغلب الأحيان، وعمل الله الخلاصيّ، المنشئ للحياة والحافظ لها. ولعلّ هذا العمل الإلهيّ هو الذي يفسّر الاسم المعطى للمرأة الأولى، حواء، أي حاملة الحياة، أو أمّ الأحياء.

 

ونرى تضادًا كهذا في استعمال الكتب المقدّس للوجوه النسائيّة، في من أعتبرها أبرز امرأة يتحدّث عنها الكتاب المقدّس في جزئ العهد القديم، عنيت ساره امرأة إبراهيم. لمَن يدقّق في السرد الكتابيّ، يظهر توًا أنّ ساره هي التي تتمحور الروايات حولها. ذلك أن عقمها في البداية، ومن ثمّ إنجابها إسحق بقدرة الله، هو الأساس الذي يشكّل قاعدة للاهوت الكتابيّ. فعقم ساره دلالة على قصور الناس في قدرتهم على الاستمرار في الحياة كما يريدها الله، وهو علامة أيضًا على تفاهة الإنجاب البشريّ بكونه لا ينتج بالضورة أبناء لله، أي مؤمنين بقدرة ربّهم على بثّ الحياة التي لا نهاية لها، حياة لا في الشكل بل في المضمون. لذا تتحوّل ساره في سفر التكوين وفي الأسفار النبويّة، وخصوصًا في إشعياء، من رحم يابس عقيم، إلى أمّ لربوات من الأبناء، مؤمنين بالله على نحو إبراهيم. تحوّلها هذا إنّما يصير بكلمة الله فقط، تمامًا كما حوّلت كلمته الأرض الخربة الخالية، في قصّة الخلق، إلى خليقة حسنة جدًا. وتماما تتحوّل الخليقة القديمة الخاطئة، المدمّرة، إلى خليقة جديدة، كلّ شيء فيها جديد. وتصير ساره أمّا أبديّة، يحوي بطنها كلّ مؤمن بالربّ حقيقيّ، وتصير رمزًا للخلاص الذي يقول لنا بولس الرسول في رسالته إلى أهل غلاطية إنّه يتحقّق في المسيح يسوع.

وتكتمل صورة ساره، لا بل تتحقّق في مريم في العهد الجديد، والتي لا يصوّرها الكتاب زوجة عقيمة تنجب لاحقًا كساره قبلها وحنّة  أمّ صموئيل وأليصابات أمّ يوحناّ المعمدان، بل كعذراء لم تعرف رجلاً تحبل بيسوع المسيح. مع مريم يتغيّر النسق الذي اعتدنا عليه والذي يصوّر تحوّل الأرض الجافة إلى أرض للحياة، إلى نسق جديد تصير فيه مريم أرضًا معدّة لتقبل الحياة وإعطائها لم يكن للإنسان دور في إعدادها بل لله وحده. ذلك أنّ مريم في العهد الجديد، في استعدادها العذرويّ لتقبّل الكلمة وإنجابها إلى العالم، مثال لرسل الله وتلامذته الأولياء، يتقبّلون الكلمة ويخرجونها للناس في خروج كلامهم إلى أقصى الأرض. ولعلّ هذا هو السبب الذي جعل لوقا الإنجيليّ يؤكّد على وجودها في ما بين الرسل يوم العنصرة في سفر أعمال الرسل. وكأنّ مريم تتحوّل عنده، إلى جانب أسلنة الروح الناريّة، إلى باعث روح الرسوليّة الحقّة عند تلامذة المعلّم.

هذه الأوجه النسائية الأبرز في الكتاب تدور في أفلاكها أوجه أخرى تلعب أدوارًا مساعدة لعمل الله الخلاصيّ ولاكتمال الرسالة الكتابيّة. فمنهنّ مَن بخطيئتهنّ وغرابة قصصهنّ يسهمن في الخلاص، ومنهنّ مَن ببرهنّ ونبوءتهنّ يعلنّ غلبة الأمر الإلهيّ وعظمة فعله وخلاصه. فمن هنا راحاب، وبتشبع، وراعوث، وثامار، ومن هناك مريم أخت موسى وهارون، وحنّة النبيّة، غيرهما. كلّهن محطّات أساسيّة في مسيرة تفتّح المعاني الكتابيّة والرسالة الكامنة فيها، والتي تحمل، في نهاية المطاف خلاصًا لسامعها ومتقبّلها، كما تحمل الحياة في رحم امرأة.
في هذا الكتاب أرادت السيّدة إيما خوري أن تبرز بشكل تفصيليّ هذه الوجوه النسائيّة لتبيّن أهميتهنّ التي أشرنا إليها آنفا. وقد بذلت جهدًا لا يستهان به لتنسيق عرضها لهنّ في العهدين القديم والجديد، ولجمع ما يتعلّق بكلّ واحدة منهنّ من مواضع مختلفة من الأسفار. وجاء عرضها مرتّبًا وواضحًا كلّ الوضوح، وأملي بأن يجد القارئ عندها مبعث اهتمام له بسير هؤلاء العظيمات، فيكون كتاب إيما له مدماكًا أساس في فهمه للأسفار الإلهيّة الحاملة كلّ حكمة.
د. نقولا أبو مراد

الفهرس

المقدمة    7
خوطر في المرأة    9
كيف نقرأ العهد القديم؟    23
القسم الأول: نساء العهد القديم    25
حوّاء والسقطه    27
وضع المرأة في العهد القديم حتى أيام يسوع    36
سارة وهاجر    42
رفقة، ليا وراحيل    48
أربع نساءٍ في سلالة يسوع    55
ديبورا النبية والقاضية    63
العاقر تلد    68
ايزابيل (جيزابيل) الغاوية وأتاليا ابنتها    73
يهوديت وأستير    82
دانيال النبي يخلّص سوسنة البريئة    91
الزواج رمز علاقة الله بشعبه    94
ملحق: الأمومة الحقة في حكمة سليمان    99
القسم الثاني: العهد الجديد    105
مريم الكلية القداسة    107
البشارة    115
مريم في الميلاد وطفولة يسوع    123
عرس قانا الجليل    134
يا امرأة هوذا ابنك    141
مريم في القيامة    145
مريم رمز الكنيسة    151
نظرة يسوع إلى المرأة    157
النساء في العهد الجديد    166
الحوار بين يسوع والمرأة    171
السامرية    177
دهن يسوع بالطيب    184
حاملات الطيب    190
“لا تلمسيني” مريم المجدلية    193
المرأة بين حوّاء ومريم    199
المراجع    207
الفهرس    209

 

تعاونية النور الأرثوذكسية للنشر والتوزيع م.م.
© جميع الحقوق محفوظة، بيروت 2011.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share