الشجاعة

mjoa Saturday November 19, 2011 255

العلاقة البشرية علاقة شجاعة أو علاقة خوف. اما علاقة الشجاعة فتأتي من ايمان الانسان بقوته أو حقه. غير ان الايمان بالحق لا يقودنا دائما الى الجبه ولو قادنا الى الشهادة التي لا تحتاج دوما الى قوة بشرية بل الى يقين يقول لك المؤمن ان الله الذي فيك يدافع عنك ولو قاد هذا الدفاع الى هدر دمك.

ولك ان تكون شجاعا لثقتك بأن رأيك مستقيم وتدعمه أمام اي مخلوق بشري منفردًا أو أمام جماعة خطيبا أو كاتبا. هذا ما يسمى عند العرب الشجاعة الأدبية. غير انك تتخوف احيانا من الجبه ولو كنت متيقنا كل التيقن انك في جانب الحق.

بولس الرسول قال في رسالته الى أهل رومية: “كونوا رجالاً تقووا” وحثّ قبله المعلّم في طرق مختلفة على الشهادة أمام الملوك والولاة وفي المحاكم والواضح ان حياته كانت صدامية من بدء بشارته حتى موته. والتلاميذ نلمس شجاعتهم أمام اليهود وامام الأمم ومعظمهم استشهد ومن بعدهم أقبل الى الموت ملايين المؤمنين خلال ثلاثة قرون وكأن لهم ألفة مع النار أو الزيت المغلي أو الأسود لأنهم كانوا ينتظرون شيئا أفضل. كانت الحياة عندهم حياة مع المسيح وهذه السبيل اليها احيانا كثيرة الاستغناء عن هذه الحياة الدنيوية.

كيف تحب الانسان وتخشاه أحيانا؟ هذا يعني انك تتوقع ان ينفصل عنك والا تظل عليك رعاية الحب. تفقد، عند ذاك، رعاية المحبوبية. تبقى وحدك وعند المقابلة التي فيها تبادل حجج ترى انك لا تستطيع مقابلة تعرف ان تحتج بها خوفا من فقدان الصداقة وتبقى منعزلا حتى يدبّر الله أمرك بعد أن أوكلته أمرك. في هذه الحالة خوفك انت تحت التأويل. أنت غير قادر أو غير عارف ويفسّرون خوفك بعدم يقين عندك أو يرصفونك في مصف الضعفاء مع أن الله ملك وتعرف ذلك وهم لا يعرفون ولكن الله لا يزعم ازعامًا. انه يوحي وحيا وهم لا يعرفون.

# #

ومع أن المحبة تطرح الخوف خارجًا على ما يقول يوحنا في رسالته الأولى الجامعة لا يحس الخائف المحب انه يستطيع المقاومة واحيانا يخسر قضيته في السجال أو بعضها. يحصل هذا كثيراً في مجتمعات تتكل كثيراً على الكيد. المأساة في ذلك ان الصالحين يشتمهم أهل الكيد أو يدوسونهم وتربح الخطيئة ولكنها تربح ظاهرًا الى ان ينجلي الحق يوما بنعمة الرب. كن أنت مع الضعفاء وبخاصة مع المستضعفين وهؤلاء ذوو قلوب نقية وعقول راجحة في أحوال كثيرة وأهل الظلم زاهقون تحت وطأة الرب الذي يدوسهم في حكمته لأنهم يريدون ان يسترضوه ولا يرضى ويبدو المستضعفون اسيادا في ملكوته وحسبهم هذا الرضاء.

# #

يبقى السؤال كيف نزيد مساكين الأرض قوة حتى يغالبوا الشر في هذا العالم وحتى يبدو ملكوت الله بدوا ولا يختفي. هنا يأتينا قول المخلص: “كونوا حكماء كالحيات وودعاء كالحمام”. صعوبة العيش ان بعض الناس حيات وبعضهم حمائم. كيف نقود الأشرار الى الوداعة وكيف نربي الودعاء على شيء من معرفة الفخاخ التي ينصبها البعض حتى يزول أثرها. اذا كان الرسول قال: “المحبة تصدق كل شيء” هل عنى انك انت تظن كل من بادرك بالكلام انسانا سليما؟ لا أظن ذلك لأن بولس نعرف انه كان ذا تدبير رعائي في هذه المدينة وتدبير آخر في مدينة أخرى ويعرف كيف يواجه والي فلسطين مستخدما الحجة من القانون الروماني. “المحبة تصدق كل شيء” لا بد ان تعني انها قادرة احيانا على الاقتناع بأن الكاذب يمكن ان يصدق فتصدقه. وفظاعتنا احيانا ان نظلم انسانا صادقا. هذا جرح له ويكون قد اقتبله ربه بين التائبين وانت لم تقتنع. هل يندم على صلاحه وتكون انت رصفته من جديد بين الخاطئين. تعلّم الشجاعة بالتماسها من ربك فان الخوف قد جاءك من التربية، من العقد التي ترابطت في كيانك ولم تستطع بقواك الطبيعيّة ان تتخلّص منها وتحس اذا ما تقدمت في الخبرة الروحية انه ينزل عليك قوة من العلاء. انت لا تستطيع ان تجعل لك سلاحا الا كلمة الله واللطف. والكثيرون يعتبرون اللطف ضعفا لأنهم يقيسونه بالقسوة التي تكسبهم سلطة ويحسبون ان السلطة تجعلهم عظماء. حذار ان تقع في شهوة الظلم لتحس نفسك قويا. هذا ليس فيه شيء. أحبب من خاصمك وهذا يتضمن مؤازرته لاصلاح نفسه. تعلّم كيف تجمع بين اللطف وشدة القول ان كان عندك قول لأنك مسؤول عن ان يكبر مجادلك في الرب. لا هم ان تربح السجال أو تخسره. المهم أن تأخذ بيد الآخر لتقربه الى ربك. ولكن هناك من عرفوا ان يدافعوا عن انفسهم وهناك من لا يعرف ان يتكلّم ويعرف نفسه مظلوما. عليه ان ينتبه الا ينضم الى حزب القساة ولكن ان يكسب الشدّة مع المرونة التي هو عليها واذا بقي عيا وهذا ليس بعيب يصبح الله لسان حاله في هذه الدنيا أو الدنيا الآتية. هذا حسبه الله. نحن استلمنا من القديسين ان هناك تروضا على الفضائل وتدرجا ما لم ينقلك الرب بأعجوبة من عنده الى ذروة الذرى. ولكن تدرب على هذه القوة الروحية التي بها تعلو فيك الشجاعة لتقدر ان تكون شبيهًا بالحية في حكمتها وبالحمامة في وداعتها فيسترك ربّك بستر جناحيه.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share