عاشوراء والفداء الإلهيّ

الأب جورج مسّوح Wednesday November 30, 2011 75

ارتبطت ذكرى عاشوراء، في التراث الشيعيّ، بالاعتقاد أنّ استشهاد الإمام الحسين كان في سبيل خلاص أتباعه وأنصاره. لذلك اعتمد هذا التراث تعبير “الفداء” للدلالة إلى عمل الحسين وثورته ضدّ “الظلم والاستبداد” الذي مارسه الخليفة الأمويّ يزيد بن معاوية. فالحسين قال في إعلان ثورته: “إنّي لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا ولا ظالـمًا، إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدّي وأبي”.

ويعتقد الشيعة، وفق الباحث إبراهيم الحيدري في كتابه “تراجيديا كربلاء” (دار الساقي، 1999)، أنّ فداء الحسين يؤدّي إلى الإنقاذ والخلاص والنهائيّ، فتلك هي الإرادة الإلهيّة التي قرّرت ذلك الاستشهاد الذي أصبح طريق الشفاعة والنجاة. لذلك، لا ينفصل الاعتقاد بشهادة الحسين في سبيل الحقّ والعدالة عن دوره في الشفاعة لشيعته ومحبّيه يوم القيامة. وثمّة رواية تشير إلى هذا الدور، حيث قال الحسين: “كيف أنسى شيعتي (يوم القيامة) وقد ضحّيت بنفسي من أجلهم”. ومن هنا، يسعنا أن ندرك لماذا يسمّي الشيعة الحسين بـ”سفينة النجاة”.

الحسين أضحى في التراث الشيعيّ ليس منقذًا للامّة الإسلاميّة وحسب، بل هو “المنقذ الإلهيّ”، من حيث أنّ مشيئة الله التي قدّرت مسيرة الكون وحياة المخلوقات وتاريخ البشريّة ومسيرتها قد قدّرت أيضًا استشهاد الحسين في يوم عاشوراء. لذلك، تكثر الروايات التي تشير إلى معرفة الأنبياء جميعًا، من آدم إلى محمّد، بمصير الحسين، حتّى أنّ رواية ورد فيها أنّ الحسين عندما وصل قرب أرض كربلاء قال: “إنّ اليوم الذي كُتب في لوح القدر لا يمكن تفاديه أبدًا”.

أجمعت الدراسات التي أجراها البحّاثة في مقارنة الأديان على التشابه ما بين موقع المسيح ودوره في المسيحيّة وموقع الحسين ودوره في الإسلام الشيعيّ. فثمّة نقاط التقاء ما بين السيّد المسيح، الذي يؤمن المسيحيّون بأنّه “المخلّص الوحيد” الذي افتدى البشريّة كافّة بموته على الصليب وقيامته، وبأنّه “الشفيع الوحيد”، وبأنّ الأنبياء الذين سبقوه قد تنبّأوا كلّهم بعمله الفدائيّ من أجل خلاص البشر، من جهة؛ وما بين الحسين في التقليد الشيعيّ من جهة أخرى. غير أنّ ثمّة فوارق جمّة بينهما إذ يؤمن المسيحيّون بأنّ المسيح ليس مجرّد نبيّ بل هو كلمة الله الأزليّ الذي صار إنسانًا، فيما يؤكّد المعتقد الشيعيّ على كون الحسين قد حلّ فيه النور الإلهيّ، كما حلّ في الأئمة الاثني عشر.

لم تقتصر المقارنة، لدى الدارسين، على الشبه ما بين المسيح في التراث المسيحيّ والحسين في التراث الشيعيّ، بل وجدوا في اعتبار السيّدة فاطمة أمّ الحسين “عذراء مقدّسة وبتولاً”، ما يشبه اعتقاد المسيحيّين بالسيّدة مريم العذراء “الدائمة البتوليّة” كما ورد في العقيدة التي أقرّت في المجمع المسكونيّ الخامس (عام 553). وقد ربط بعض المستشرقين بين شعائر عاشوراء وطقوس الجمعة العظيمة في بعض التراثات المسيحيّة غير الأرثوذكسيّة، وبخاصّة في حقبة القرون الوسطى.

البشريّة جمعاء تسعى إلى مخلّص، إلى منقذ، إلى فادٍ. وهي تتوق إلى الخلاص والنجاة والحياة الأبديّة. وهذا الخلاص لا يمكن أن يأتي على يد بشريّ، فالبشر تحكمهم أهواؤهم وشهواتهم وهناتهم. لذلك، جعل الله الخلاص شأنًا خاصًّا به لا بالبشر. والحمد لله أنّ رحمته واسعة ومحبّته فائقة لبني البشر جميعًا.

الأب جورج مسّوح

“النهار”،30 تشرين الثاني 2011

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share