صوم الميلاد تهيئة النفس

mjoa Friday December 16, 2011 270

استعدّي يا بيت لحم، وليتأهّب المذود، وتتقبّل المغارة، فإن الحقيقة قد جاءت، والظلّ قد جاز… (إيذيومالا من الساعة الأولى لصوفرونيوس بطريرك أورشليم)

لقد بدأ المعلِن عن المعجزة الآتية. إنها ليلة الميلاد حين تُنشَد هذه الكلمات، ويتحوّل العالم بميلاد الرب بعد ساعات قليلة. المؤمنون مدعوون بهذه الكلمات إلى الانتباه والترقّب. “استعدي يا بيت لحم”! يمكننا رؤية أنوار الميلاد المشعّة في الأفق، وتذوّق حلاوة المعجزة التي جرت تحت النجمة، ومن خلال هذه الكلمات المرتّلة، وفي داخلنا، في الكنيسة، تتحوّل الليلة العظيمة إلى حقيقة في خبرتنا الحالية. نحن نستعد وننتظر.

لكن هذه ليست اللحظة الأولى من التحضير للعيد. لأربعين يوماً، بدءً بالخامس عشر من تشرين الثاني، والكنيسة متأهبة محوّلة انتباهها نحو السر الآتي، منتظرة في ترقب. لقد استغلّت الفرح العظيم الذي سوف يصل في يوم عيد الميلاد كفرصة لممارسة ما يعتبره الكثيرون معاكساً للفرح: الصوم بكل صرامته وخشونته وإزعاجه. هذه هي الخطوات التي تقود الأرثوذكسيين في كل العالم نحو العَجَب المشرِق لميلاد المسيح.

من أين أتت روح هذا الصوم الذي يعترض في كل سنة طريق بلوغنا إلى فرح الميلاد؟ السؤال بحد ذاته يساعدنا على استدلال الطريق نحو جواب: يبدو الصوم غير ملائم لأننا في أغلب الأحوال نرى الميلاد كفرح فقط ولا نقدّر جيداً السر العميق الغامض الذي هو في قلب فرحنا. نحن نتلهّف إلى استذكار “الملائكة ينشدون”، لكننا نوعاً ما ننسى المعنى الكوني للحدث أي سبب إنشادهم. ليس مجرد طفل يولد: الذي بغير ولادة يُولَد. الذي خلق الكل يصبح طفلاً مولوداً، الذي يمسك الكون بيده تمسكه أم حنون بيدها.

يا رب إن الأجناد العقلية لمّا عاينَت السرّ قبل ولادتك اعترتها الدهشة، لأنّك يا مَن زيَنتَ السماء بالكواكب، قد سُرِرتَ أن تصير كطفل وتتكئ في مذود البهائم أيّها الضابط في قبضته أقطار الأرض جميعها. لأنّه بهذا التدبير قد عُرِف تحنُنُكَ أيها المسيح ورحمتُك العظيمة. فالمجد لك (استيخيرون الساعة الثالثة من سواعي عيد الميلاد)
نحن لا نرتعد عندما نفكّر بالميلاد ولا يصيبنا العَجَب. بالمقابل، نحن نشتري هدايا ونخطط للحفلات ممسكين بطرف من فرح العيد ولكن من دون أن تغمر روعته قلبنا. وهكذا يصبح الصوم ما علينا عبوره لكي نصل إلى ذلك اليوم البهج. وعندما نصل، في أي حال، إذا كان هذا موقفنا، تلتقطنا الكنيسة بطرفة عين بالأناشيد التي تلقّمها في قلوبنا. نحن نجد أنفسنا ملتحقين بالاحتفال بتحرير انتصاري من العبودية لكننا لا نفهم معنى هذه العبودية إلا قليلاً. نحن نرتّل تراتيل فرح التحرر، لكننا لا نفهم فعلاً كيفية استعبادنا. نحن نجد أنفسنا فجأة منقولين إلى قمة الجبل، لكن من دون أن نكون قد تسلقنا من الوادي العميق، فالمنظر الذي نعاينه هو مجرد صورة رائعة أخرى وُضعَت مؤقتاً أمام أعيننا وليس الرؤية التي عملنا وكافحنا من أجلها وتقنا إليها بكل كياننا. قد نحسّ بالفرح، ولربما بفرح الميلاد. لكننا جميعاً نعلم، في أعماق ذواتنا، أن فرحنا ليس كالفرح الموصوف في هذه الترنيمة:

افرحوا أيها الصدّيقون ويا أيّتها السماوات ابتهجي. وتهلّلي أيتها الجبال بميلاد المسيح، البتول جالسة مماثلة الشاروبيم، حاملة في أحضانها الإله الكلمة متجسّداً. الرعاة للمولود يمجّدون، المجوس للسيد يقرّبون هدايا. والملائكة يسبّحون قائلين: أيها الربّ المحجوب عن الإدراك المجد لك. (الإيذيومالا الأولى من إينوس سحر العيد)

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share