طوائف ومذاهب وعلمانية

mjoa Saturday February 11, 2012 162

درست ولاية الفقيه في كتاب فارسي معرّب يقع في 299 صفحة. مناقشة النظرية هذه ليست هدف هذا المقال. ولكن لفتني قوله في الصفحة 162 إن من كان على رأس الأمور هو من لا يرتكب معصية وإنه صاحب العدالة وإنه ينبغي ان لا يتبع هوى النفس حتى قال ما مفاده أنك ترى هذا على امتداد العالم. افهم من هذا الكلام ان رؤساء الدول خارج العالم الاسلامي يمكن ان يتحلوا على المستوى الخلقي خارج كل عقيدة دينية بالفضائل النازلة على الفقيه حتى لا نضطر الى ان نحكم على كل رؤساء الدول وحكامها باللاأخلاقية.

أذهب من هذا لأقول مع عالم شيعي كبير في هذا البلد إنه ليست هناك من دول دينية. في المنطق الصوري العبارة لا معنى لها لأن الدائن (المؤمن بدين) فرد ذو عقل وقلب والدولة بنيان حقوقي ليس له وجود حسي ويستحيل ان يكون لها دين أو ألا يكون.

أنا أفهم أن يسيطر أهل دين ما على الحكم ويستلهموا عقيدتهم ليسوسوا الامة. من هذا المنظار الدول العلمانية تأخذ من العقيدة الدينية السائدة في شعبها بما يفسر سلوكها وبعضا من أحكامها. فأول دولة غارقة في العلمانية مثل فرنسا تتعطل دوائرها في ثلاثة أعياد كاثوليكية في السنة ويوم العطلة الاسبوعي الاحد. واذا قرأت القانون المدني الفرنسي ترى الكثير من دعائمه قائما على القانون الكنسي الكاثوليكي. تجيء من تراث لتحكم. لا أحد يأتي من العدم. أدرك بالمنطق نفسه اذا كان المسلمون الكثرة انهم يجيئون في عقلهم الحقوقي من الاسلام ويبقى هو قناعة الافراد.

الناس يعيشون طوائف طوائف بما فيها طائفة الملحدين ويسعون الى أحكام وقوانين تنطبق على وضعهم الحياتي الدائم التطور. السؤال المطروح على الدولة التي تظن نفسها اسلامية هو كيف توفق بين المطلق الإلهي وتقلبات الإحساس البشري المتصل بالحدث وهو بتحديد الكلمة خارج عن المطلق. كل شرع إلهي أو المظنون هكذا انسكب على البشر في تاريخ اي كان ملائما لزمانهم وما نشأ في الزمان تكيف. اذا قرأت شيئا من علم النفس وعلم الإناسة (الانثروبولوجيا) وعلم الاجتماع والتاريخ تدرك ان الانسان في دوام التغير وفي دوام تحدي هذا التغير لعقله.

أنا لا أبغي تحريف الكتب المقدسة ولكني أريد أن أفهمها في إطار الزمن وما إطلاقيتها وعدم إطلاقيتها. ان جعلت تلازما بين كل حرف منها وكل زمان تكون عديم الإحساس بحقيقة الزمان ومكانته من التدبير الإلهي لشؤون الأرض. الزمان أيضاً كتاب الله.

أوروبا لم ترجع الى الإنجيل لتقوم بثورتها الصناعية فتخترع القطار والسيارة والطائرة ودرس الجسم البشري وعلاجه. للبحث العلمي استقلال.
استغرب جدا هذه النزعة الحديثة التي تفتش عن الاكتشافات العلمية تحت نصوص ليست الدلالة فيها على أشياء لم يفكر فيها احد من قبل ولا يحشر الإله الأبدي الكامل في امور هي بنات العقل البشري في سير تمخضاته. لماذا لا يسمي الله الأشياء بأسمائها ويضطر الى كلمات اخرى تغطيها قبل ان تظهر هذه الأشياء!

آن الأوان لنفصل الأبحاث العلمية على ما نظن ان الكتب المقدسة متعلقة بها. آن ان نؤمن ان العقل حر. تبقى هناك سلوكيات ادرك العلم انها ذات طابع أخلاقي. هنا ترد المناقشة مثل هل يجوز الاختبار على الجنين. الباحث يبحث كما يستطيع. الأفكار تبدو في الفكر على جواز التطبيق. ولكن ليست كل الاكتشافات لها مساس بالأخلاق.

***

عوداً الى الدول الدينية انا لا اعرف واحدة منها ليس فيها علمانيون أو ليبراليون. لست اصدق الذين يرفضون لفظة العلمانية لاحتسابهم انها ضد الدين ولا اعذرهم لعدم اطلاعهم على دلالة الكلمة. غير اني اود ان اسائل الإسلاميين عما اذا كانوا يعتمدون كثرة عددهم لفرض تشريعهم على الأمة واقصد بالامة مجموعة المواطنين. هل نحن بعضنا مع بعض نشرع ونحكم ام ان الأقليات اهل ذمة؟ في نهاية المنطق الأقليات يجب ان تهاجر. انا المسيحي في رعاية الله وحده وفي مشاركة المواطنين جميعا ونسن معا قوانين الدولة. انا في اشراف الله عليّ وفي بحث دائم عن الحقيقة السياسية بعقلي الحر المواجه للعقول الحرة.

ضمن هذا الاختلاط تقضي عليّ محبتي لحرية الغير الا أفرض عليه باسم ديني قانونا. أنا ليست عندي مشكلة في ذلك لأن ديني ليس فيه قانون يرعى الحياة المدنية. أنا أجيء روحيا وثقافيا من حيث أجيء وسواي يجيء من حيث يجيء ونتعاشر ونتكلم. هو يهتدي بالفكر الذي يشاء واهتدي أنا بالفكر الذي أشاء.

تبقى بعض الامور المتعلقة بالأحوال الشخصية. كقانون الإرث الذي لا يتصل بضميري، أبي وأمي عاشا في ظل هذا القانون حتى صدر آخر لغير المحمديين. سكت المسيحيون عن نظام الزواج بأربع نساء. ألغته تونس المسلمة. سكت المسيحيون عن قطع يد السارق. ليس فكرا مدنيا ان يقول فريق من الشعب مثلا: ان زواج الاخرين شأنهم. ليس من فريق عنده شأن مستقل في دولة موحدة.

ماذا تعني اذاً الدولة المدنية بعد الربيع العربي؟ حتى الآن لست أعلم. الديموقراطية التي يتشدق بها العرب هي تحديدا نظام المناقشة التي تكلم عليها الفلاسفة الانكليز قديما ومفكرو الثورة الفرنسية. عند هؤلاء تعني نظام العدد اذ لا دخل عندهم للمشكلة الدينية. اليهودي صار رئيس وزارة في فرنسا وكذلك البروتستنتي. ولكن كيف تجعل الديموقراطية ملازمة لنظام الاكثرية والاقلية والاقلية خرساء.

أفهم انها ليست هكذا في لبنان حتى الآن. هذا بلد تحكمه المناصفة التي تدل عندي على كرم المسلمين. لا يمكن المواطن ان يعيش في ايديولوجيات دينية. الدين للفرد كما قال صديقي الشيعي الكبير.

المطران جورج خضر – جريدة النهار –  2012-02-11

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share