هموم الطائفة وهمّ الكنيسة

mjoa Wednesday February 22, 2012 144

منذ أشهر وإلى اليوم ينشغل الوسط الأرثوذكسي اللبناني، الكنسيّ والطائفيّ، بما أُصطلح على تسميته الحضور الأرثوذكسيّ في لبنان والحقوق “المهدورة” للطائفة الأرثوذكسية. وطال هذا الانشغال ما صدر عن “اللقاء الأرثوذكسي” من مشروعٍ لقانون انتخاب أوحى للناس أنّه القانون المقترح من كلّ هذا الوسط. فأمام انشغالٍ بهذا الحجم، يرافق نموّ اللغة الطائفيّـة في الوطن، نُضيء، مرّة أخرى، على مواقف وثوابت تعنينا، كأبناء للكنيسة، وتخدم، في آن، استقامـة حضور كنيستنا في الشأن العام وسط الأحداث الكُبرى التي تحوط بنا اليوم.

منذ بدء الأحداث اللبنانية في العام 1975 تفرّد الموقف الأرثوذكسي عموماً، والموقف الكنسيّ خصوصاً، بحضورٍ نوعيّ لا يتماشى مع مسرى الخطابات والممارسات الطائفيـة التي اشتدّت في الوطن في حينه. وتجلّت فرادته، بشكل أساسيّ، في بيان المجمع الأنطاكيّ المقدّس الذي صدر عام 1975 من دير ما الياس شويّا داعياً الأرثوذكسيين الى التعالي فوق النتوءات الطائفية وبناء جسر تواصل وحوار بين أبناء الوطن، وفي تبنّي مُعظم الشرائح والنخب الأرثوذكسية هذا الخطاب والنهي، بنفسها، عموماً عن الانغماس في الحرب اللبنانية والأحزاب ذات اللون الطائفيّ الواحد. هذا ناهيك عن كتابات بعض الأساقفة والقادة الكنسيين وخطاباتهم التي نقضت كلّ طرح وتوجّه طائفيّ.

اليوم، لا شكّ أننا نشهد انحدارَ الموقف الارثوذكسيّ عمّا تألّق به وتميّز وذلك لحجج مُختلفة تبدأ بما يُطرح عن قضمِ حقوق الطائفة في الوظائف العامّة، مروراً بضرورة رفع حصرية التعاطي مع المرجعيّة المارونية فيما يتعلّق بالحضور المسيحيّ في الشأن العام، وانتهاءً بلعبة التوازنات الانتخابية إرتكازاً إلى ما شرّعه اتّفاق الطائف على هذا الصعيد. هذا دون أن نغفل طبعاً ما يُضمَر لخدمـة مصالح بعض السياسيين الأرثوذكس بسبب تقاطع هذه المصالح مع مصالح البعض ورغباته.

مقاربةً لهذا الموضوع من جانبه العمليّ أنطلق من شأن حقوق الأرثوذكس في الوظائف العامّة لأرى ، بدايةً، أنّ لا شأن، حقاً، لهذه الحقوق بما يبحث عنه السياسيون والنافذون الأرثوذكس من مكتسبات على هذا الصعيد. ذلك لكون المنطلقات والرؤى والغايات تختلف. فإن وجَب اهتمام الكنيسة بهذه القضيّة فإنّما كوجه من وجوه القضايا المجتمعية وبغاية أن تُسهَّل أمور أبنائها المواطنين في الادارات العامّة ويُخدَمون كما يُخدَم أيّ مواطن آخر، بموجب حقوقهم الانسانية والوطنية دون تعثّر وعرقلة وتمييز. بمعنى آخر أنّه ليس بهدف الحصول على مُكتسبات إدارية تُغذّي موقع الطائفة السياسيّ الذي يُدرك الكلّ أنّه يصبّ، عملياً، في خدمة نفوذ هذا او ذاك من السياسيين. لذلك فإنّ الخطأ، كلّ الخطأ، يكمن في الاعتقاد بأن الهويّة الطائفية للمسؤول الاداريّ هي ما يصل بالكنيسة الى هذا المبتغى. ودليلنا الأهمّ، باختصار، هو خبرتنا الوطنية. هذه الخبرة تشهد أن فترات طويلة من تاريخ وطننا تربّع فيها المسيحيّون، والارثوذكس منهم، كما غيرهم على عرش الادارات الرسمية بموجب المناصفة المعمول بها، دون أن يقلّل هذا الأمر من شأن الفساد والمحسوبيات والتمييز فيها. وما تقتضي الأمانة قوله هو أن الفساد، في الإدارة العامّة، سبق أن تأسّس وترسّخ في تلك الفترات ما قاد، حينها، إلى حملات تطهير إداريّ وتأسيس هيئات الرقابة المتعدّدة. ولا نقول هذا بغاية التشجيع على قضم حقوق أحد بل بهدف التأكيد أن ما يصل بالكنيسة وأبنائها الى الحقّ الذي يرتجونه هو تبوّء الشخص الكفوء، الحرّ، العفيف الكفّ وربيب المواطَنة الصالحة موقع المسؤولية أياً كانت هويّة هذا الشخص السياسية والطائفيّة. شأن الكنيسة، والأرثوذكس معها، على هذا الصعيد هو أن يروموا الى هذه الصفات في الشخص وليس الى دينه وهويتّه، لأن كلّ من يتحلّى بها هو، حقّاً، الاكثر قدرة وفاعلية على تحقيق ما يرتجونه وهو الأقرب إليهم في آن، خصوصاً وأنّ المؤسّسة الكنسية، كما الشريحة المؤمنة، لا دور لها ولا وزن في تسمية من تراه مؤهّلاً من أبنائها لهذا الموقع الاداري أو ذاك. فالسياسيّون والنافذون، وحدهم، في نظامنا الطائفيّ يملكون هذا الدور ويمارسونه ليس استناداً الى الصفات والمؤهّلات والغايات المذكورة بل قياساً الى ما يخدم شؤونهم الانتخابية والسياسيّة.

واسترسالاً في الجانب العمليّ أضف اّنه طالما أن مُعظم الارثوذكس، في واقعنا السياسي، ليسوا تكتّلاً إيمانياً، أو أشخاصاً، يتحكّم فكرهم الانجيليّ في ضبط حضورهم ومسارهم السياسيّ بالاتجّاه الذي يخدم شهادتهم، وطالما أنّ لكلّ منهم رأيه السياسيّ وانتمائه الذي يتحكّم بهذا المسار، يبقى ما يصلح على صعيد حقوق الطائفة في الوظائف العامّة صالحاً لسائر الحجج المطروحة. ومثالاً فإن ولوج الأرثوذكسيين في العملية الانتخابية في ظلّ أيّ نظام انتخابيّ طائفيّ كان لن يودي بهم الى مزيد مما يخدم خصوصيتهم الشهادية، التي هي غاية تعاطيهم الشأن العام، بل إلى أن يكونوا عاملاً أفعل في خدمة هذه الجهة السياسية أو تلك الأمر الذي لا شأن للكنيسة ومؤمنيها به.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share