اليـوم قبـل دخـولنـا الصوم نـقـرأ في متّى: “إن غَفَرتُم للناس زلاّتهم يغفر لكم أبوكم السماوي ايضًا”. اي انت لسـت قـائـمًا بالصوم ما لم تُحـبّ أخـاك، ومن أبرز ما في هذه المحبـة الغـفـران الذي دونـه لا تـقـوم الشركة وهي شركـة الروح القـدس الذي يجـمـعكـم. وإيضاحًا لهذا المعنى يقـول: “إن لم تغـفـروا للنـاس زلاّتهم لا يغـفـر لكم زلاتكم”. تبـدأ بطـراوة القـلب لأن البعض يأتي من القسوة. وبعد هذا تتصالح.
أَذكـر في طفـولتـي عنـد الاعتـراف كـان الكـاهـن يسألني فـي مطلـع الاعتـراف: “هـل انت زعـلان مـع أحـد؟”. ومـا كـان مـألـوفـًا في أوساطنا أنّ المصالحـة شـرط للمنـاولــة إذ المنـاولـة مشـاركـة أعـضـاء الجـمـاعـة للأعـضاء الآخـريـن.
المقطع الثـاني في هذا الفصل دعــوة الـى الفـرح في اليـوم الذي كان اليهـودي يتطـوّع فيـه للـصوم او في يـوم الغـفـران. لمّا قال السيّد: “لا تكـونـوا معبـّسين كالـمـرائيـن” غـالبًا ما كـان يقـصـد الفـريسيـيـن المحبّـيـن للظـهـور وأن يقـول النـاس عنهـم حَسَنـا. فـي الصـوم الـمـسيـحـيّ عــلاقـتُــك الأُولـى هـي مــع الـلـه ولا تحتـاج الى شهادة من أحد، وكـلنا معًا في حالـة الفـرح. واذا دعا أحـدُنـا الآخر الى مائـدة لا بد أن تـظـهـر صائمًا وأن يشارك ضيفُـك صومك، ولا معنى اذا كان الضيوف كثيرين أن تُهيّئ طعام زفـر لمـن يشاء وطعـامًا صياميا لمن يشاء. هذا يعني أنك تقبل حرية المخـالـف. ومن كان لا يحـب التـقـيـّد بالصوم فـلا تـدعُـه الى مـائـدتـك.
المقطع الثالث يستهله إنجيل متى بقوله: “لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض… لكن اكنزوا لكم كنوزًا في السماء”. هذا نهيٌ عن عشق الفضّة كما نسمّيه في كتاب الصوم المعروف بالتريودي. وهذا ليس منعا من وجود ثروة لك. إن العمل الاقتصادي الكبير يفترض وجود مال كثير أكان في شكل ودائع أم في شكل عقـارات.
هذا الكلام ليس كل تعـليم يسـوع عن المال الذي قال عنه الآباء انك مؤتمَن عليه وانه بين يديك وديعةٌ انت حاضر لتوزيعها على المحتاجين او لاستثمارها في سبيل من احتاج اليها. ما دعا يسوع أن يصبح كل المؤمنين به فقراء ليدخلوا ملكوت السموات، ولكنه دعاهم ألا يتعلّقوا بشيء أرضيّ. لقد أراد السيد أن يوضح لنا أنك لا تستطيع أن تخدم الله والمال، فإذا استعبدك هذا فلستَ محبّا للمسيح.
وقد أوضح هذا في اختتام هذا الفصل بقوله: “حيث تكون كنوزُكم هناك تكون قلوبُكم”. القصة كلها قصة القلب وتحرّكه. ما هو اتجاه قلبك؟ فإذا اتّجه الى الشغف بالمال لا يبقى فيه مكانة للفقير. ان كنت غنيا او ميسورا لا تعط اعتبارا لما تملك. انت لا تقوم بمُلكك. انت تقوم بمحبة الله لك ومحبتك له، انت في ذاتك مستقلا عن كل ما في الأرض. كلما تحررت من عبوديتك لما تملك تصير عبدًا لله.
أن تخرج من الغرق في بحر المال شرط من شروط الصيام الذي يبدأ غدًا برحمة الله وفيض نعمته علينـا.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان).
رَعيّـتي تصدرها أبرشيـة جبيـل والبتـرون للـروم الأرثـوذكـس