التوبــــة

mjoa Saturday February 25, 2012 116

لكون التوبة رجوعاً الى الله، الى كيانه، الى حياته تحصل بنزول حياته عليك. انت تتوجع أولاً لكونك حجبت وجهه عنك لتعطي وجهك حق ان يرى ما لا يريد هو ان تراه وتعطي يديك حق ان تلمسا ما لا يجوز لمسه وقدميك ان تسيرا الى حيث لا موضع لك فيه. بمعنى آخر انت تعود من غربة اذ لا يقيم ربك حيث أقمت واعتقدت ان لك في ذا فرحاً فهربت من المشقات ولا دخول الى الملكوت بلا مشقة.

ونسيت أنك أنت أنت إذا استضافه قلبك وبلا هذه الاستضافة أنت وكر أفاعٍ ووهم وجود. بالرب تحصل رؤيتك لنفسك ويبقى من صورته فيك على رغم الضلال ما يجعل فيك شوقاً اليه. وذكرى بهائه القديم فيك يطلقك من جديد اليه. سر هو نقطة اللقاء بينكما. واللقاء يحدث برضاه وافتقاده اياك دائم لكنك تؤثر لذاتك على إطلالاته عليك لأن الخطيئة جعلتك سطحياً وأوهمتك انها هي الكيان اذ ظنت انها هي استمرار وجود وما كانت بوجود.

أنا لست مع القائلين ان ثمة انساناً طاهراً بالكلية. آباؤنا اشتهوا ذلك لكنهم كانوا يحسبون أنفسهم خاطئين. الاحتساب أدخلهم الى السماء. القلب البشري عند العظام بين فضائل ينهدون اليها ورواسب خطايا. لذلك كان عرين الصراع حتى يهدأ الانسان بالموت. ينقينا ذكر الموت ان كنا لله محبين. ذكر الموت التماس السماء حتى يستقبلنا الله فيها برحمته. قبل تفجرها فينا نحن مجرد توق. التوبة ان تحول التوق الى قرار واذا عرفك الله صادقاً فيه يقبله. اذ ذاك يحل عليك التوق الأخير ان ترى المجد الإلهي.

■ ■ ■

التوبة ثمرة الإيمان فإن آمنت ان الخطيئة لطخة وان التوبة عمادة جديدة تبدأ مسيرة التوبة. وأما اذا كان اشتياقك الخير تحركاً عاطفياً، جمالياً كان هذا نوعاً من الشعر. ان استيطاب الخير كجمال للنفس ليس توبة. هذه استيطاب وجه الله. فيها عملية إبدال كل شيء بربك. فالنفس فيها رواسب الخطيئة ولو بكيت واسترحمت.

هؤلاء الذين نسميهم كاملين لا يبلغون النقاوة الكاملة ونحن في حدود الجسد ما يعني انه كتب علينا جهاد موصول. نصل الى الحد الأقصى في الفضيلة اذ بعد قيامنا بحركة محبة نلحظ ان هناك عنصر فساد في تصرفنا أحياناً. انت تُسر ان قال عنك الكثيرون حسنا وهذه درجة من درجات الكبرياء أي افتخار بعد إحسان يلطخ الإحسان. ان لم تقتنع انك لست بشيء كل ما يبدو لك فيك فضيلة هجمة من هجمات الادعاء فيك. من هنا ضرورة ما تسميه كنيستي فحص القلب في كل حين حتى لا تعود اليه الأفاعي.

تفحص نفسك على ضوء الوصية: أحبب الرب إلهك … احبب قريبك كنفسك. في الجزء الأول من الوصية الوهم وارد كثيراً اذ تظن في نفسك التقوى لقيامك بالصلاة والصوم وتكون صلاتك كلاماً مكروراً في بعض الأحايين ويأتي صيامك نظاما طعامياً لا انكسار فيه. وهنا تحتاج الى مرشد يعرف ما يفسد صلاتك والصيام. غير ان الامتحان الكبير محبة الآخر. هذه أيضاً تداخلها اوهام ممكنة. المساءلة لا تنتهي بأنك غفرت له أو لم تغفر. السؤال الرئيس هل جعلت قلبك مملوءاً به لتجعل نفسك في خدمته الدائمة؟ والسؤال الكبير هو هل تفرق بين الناس فتخدم هذا وتهمل الآخر ام ان العطاء الإلهي الذي فيك تبدده على الجميع لأنهم بسبب من حنانك يعرفون حنان الله أي انهم يتوبون بتوبتك وتتألف، اذ ذاك، الكنيسة؟

■ ■ ■

من أين لنا قوة التوبة أو قوة استمرارها؟ من الرجاء أي من الثقة بالله، من اعتقادنا انه يصد عنا التجارب. لذلك كان عدو التوبة اليأس أو هبوط الهمة ان كررنا السقطات. السر العظيم يكمن في هذا ان صلاة استغفار عابرة لا تنجينا. هناك سعي الى تركيز النفس بشدة على رؤية المجد الإلهي. ان لم يتأجج الشوق اليه فيزداد التعلق به لا نعود الى الفضيلة.

التوبة لهب في النفس هي عشق المسيح. هذا لا يعني انك ترمي نفسك بخفة في احضانه متوكلاً على محبته. تحتاج دائماً الى مخافة الله. يجب ان نخشى عودتنا الى الخطيئة. المخافة تربي وتحفظ واذا لازمتنا تدفعنا الى الحب الإلهي الذي هو التوبة.

الصيام زمان التوبة الكبير لأنه يحيطنا بالكلمة الإلهية ويجعلنا نمتصها حتى لا يبقى فينا إلا حضورها وفعلها. واذا لم نسقط في اليأس تلوح أمامنا ملامح القيامة.

المطران جورج خضر – جريدة النهار – 2012-02-25

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share