مسيحيو حارة حريك يريدون العودة وقاطنوها يرحّبون والمشكلة السكن

mjoa Monday February 27, 2012 142

تدق اجراس الكنيسة. يبدأ القداس. لا يبتعد صوت الطنين كثيرا ولا يردده الصدى مضاعفا. فالكنيسة ليست فارغة. هدير اصوات المصلين يوحي بكل شيء، الا بأن القداس يقام في “حارة حريك”، المنطقة التي طالما ارتبط اسمها بالمربع الامني الاشهر للحزب الشيعي الاعظم. الى “الحارة الشيعية” يعود المسيحيون صباح كل أحد، يؤدون واجباتهم الدينية والاجتماعية.
عند ذكر اسم “حارة حريك” لا يمكن لاذهان معظم اللبنانيين الا ان تتخيّل العمامة السوداء لرجل الدين الشيعي، امين عام “حزب الل”ه. كما لا يمكن لبعض هؤلاء الا ان يتذكروا صورة زعيم لبناني اسمه الاول “ميشال” يصرخ على الصحفيين بعد اقتراعه في احد مراكز الاقتراع في “الحارة”. عمامة شيعية ومقترع مسيحي، اشكالية يأتي تفسيرها سريعا من ذاكرة ليست بعيدة، “المنطقة كان سكانها في السابق من المسيحيين”.

في باحة الكنيسة تشعر ماري بانتمائها الى “الحارة”. تكرر على مسامع والدها سؤالا طالما سألته: “اذا كانت القذائف لم تهجركم، فما الذي دفعكم للرحيل؟”، “انها الحرب”، يجيبها والدها، “لقد فرزت المناطق طائفيا لذا فضلنا الرحيل”. تفهم ماري من حديث والدها أن خوفا غير مبرر هجّر أهلها وجيرانهم. غير مبرر لان ماري تشعر اليوم بالامان في “الحارة”، رغم انها منذ ولادتها تسكن في الحدث، ولا تزور الحارة سوى نهار الأحد في القدّاس.

بعيدا من تساؤلات “الجيل الجديد”، يستفيض شربل بالحديث مع ابو طوني، “جار العمر كما يسميه”، يتذكران “الحارة الضيعة”، وبساتين الليمون التي كانت تنتشر فيها، “يا ابني هيدا الباطون ما كان موجود قبل الحرب، المنطقة كانت خضراء، والهواء فيها كان نظيف” يشرح أبو طوني، الذي يأتي كل أحد الى الحارة للقاء اصدقاء اصبح كل منهم يسكن في منطقة تختلف عن الأخرى، “لا نجتمع الا الأحد في الكنيسة”.

 اليوم يعيش في الحارة نحو عشر عائلات مسيحية، بعدما كانت قبل الـ75 منطقة مسيحية بامتياز. القصة، كما يرويها بعض الاهالي، بدأت مع بدء انتشار السلاح بين الفلسطينين، وحين بدأ هؤلاء التعرض للمسيحيين، وخاصة لمناصري احزاب الكتائب والاحرار، لكن التحول الدراماتكي جرى بعد حادثة عين الرمانة، اذ تكرر مشهد العبوات المنفجرة امام منازل المسيحيين، الامر الذي ترافق مع شراء منظّم للاراضي التي يملكها هؤلاء.

أوضاع المسيحيين الساكنين في “الحارة”، ليست عاطلة، والفقر ليس هو الذي اجبرهم على البقاء فيها، بل “الإنتماء” كما يقولون. يعمل معظمهم في البلدية. هنا، لم يبحث احدهم عن العمل بل هذا الأخير هو الذي بحث عنه، للتوازن الطائفي احكام وخاصة في الحارة، فمقابل الموظف المسلم بحثت البلدية طويلا عن الموظف المسيحي الذي، ورغم ايجاده، لم يلبِ الحاجة المطلوبة.

مسألة انتماء

“ابناء حارة حريك من المسيحيين لا يشعرون بالانتماء الا لها، فهي ارض ابائهم واجدادهم الذين ولدوا ودفنوا فيها. هم ايضا ولدوا وعاشوا في الحارة، لكن ظروفا قاهرة اجبرتهم على المغادرة”. بهذه الجملة يصف راعي ابرشية “حارة حريك” عصام ابرهيم، علاقة مسيحيي “الحارة” بها، “علاقة متينة بين المواطن وارضه، يثبتها مسيحيو “الحارة” كل نهار أحد. يعودون الى جذورهم”، دليل آخر الى الانتماء يورده ابرهيم، “نسبة تصويت المسيحيين في الانتخابات البلدية والنيابية تشير بوضوح الى ان ابناء الحارة ينتظرون الظروف الملائمة ليعودوا اليها”. لكن ما هي هذه الظروف؟ يعتبر ابرهيم ان المسيحيين قادرون على العودة الى اي مكان في لبنان اذا وجدت دولة قوية قادرة على حماية مواطنيها وتتعامل معهم بغض النظر عن طوائفهم، اما المشكلة الثانية، وفق ابرهيم، فهي السلاح الفلسطيني الذي هجر المسيحيين من “الحارة” قبل ثلاثين عاما ولا يزال موجودا اليوم في المخيمات القريبة منها، “وعند حلّ هذه المشكلات فالعودة تصبح حتمية”. هذا نظريا، لكن عمليا هل العودة ممكنة؟ يؤكد ابرهيم ان حلّ مشكلة السكن سهل، نحن قادرون اليوم على تأمين سكن لنحو مئتي عائلة مسيحية في الحارة”.

ينهي ابرهيم كلامه مشيدا بإرادة الاهالي، “الذين على الرغم من كل شيء ما زالوا يتوافدون الى الكنيسة عند كل مناسبة، اضافة الى زياراتهم الدورية في الآحاد”. فالحرية التي يمارس فيها المسيحيين معتقاتهم الدينية والكثافة التي يحضرون بها القداديس والجنازات دليل على انه “لا مشاكل بين مسيحيي الحارة وسكّانها الشيعة ولا توترات، بل علاقات وطيدة وجيّدة”.

في مقابل الكنيسة، مبنى بلدية الحارة التي يرأسها مسيحي، زياد واكد. داخل المبنى ترى موظفين يرتدون “فيلد” اسود ويرخون لحاهم قليلا، ينده احدهم الى زميله في العمل. تفاجأ بأن اسم هذا الاخير مارون. يجيبه مارون “نعم حاج”. بين الحاج ومارون قصة طويلة تبدأ “قبل الوجود الفلسطيني ولم تنتهِ بخروج المسيحيين من الحارة” كما يهمس احد موظفي البلدية.

يؤكد واكد ان الحضور السياسي لمسيحي “الحارة” ليس مرتبطا بوجودهم العددي فيها “بل بروح الانتماء التي يتمتع بها هؤلاء”. فعدد الناخبين المسيحيين في “الحارة” يساوي عدد الناخبين الشيعة وهو نحو 5500 ناخب لكل منهم، “انتخب منهم في الانتخابات النيابية السابقة حوالي 6400 بالتساوي ايضا بين المسيحيين والشيعة”.

وللكنيسة، برأي واكد، دور كبير في المحافظة على الترابط بين المسيحيين وأرضهم في الحارة، “ففيها يلتقون وفيها يتزوجون، فالارض مقدسة بالنسبة لهم، رغم ان معظمهم اصبح بعيدا عنها”. ويشيد واكد بدور الوقف الذي يبقي المسيحين على اطلاع في حال حصول اي وفات “عبر ارساله نحو 1500 رسالة نصية”.

ويؤكد واكد وجود مشروع جدّي لبناء وحدات سكنية للمسيحيين بايجارات رمزية، “ولا حاجة للتنسيق مع الحلفاء في هذا الموضوع، هم يباركون ويؤييدون العودة المسيحية وهذا نهجهم”.

بعد حرب تموز، باع معظم المسيحيين الذين تدمرت بيوتهم مساكنهم في الحارة واشتروا بيوتا خارجها، فتناقص مجددا عدد المسيحيين فيها. فهل ستنجح الخطط الموضوعة لاعادة المسيحيين الى حارتهم، ام ان المسيحيين الساكنين سيلحقون بمن سبقهم الى خارجها؟

جريدة النهار – 26 / 02 / 2012

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share