أيقونة مديح السيّدة والدة الإله

mjoa Saturday March 3, 2012 479

 أحبّائي في الرب،
أيقونة المديح هذه موجودة في دير ديونيسيّو (في جبل آثوس-اليونان) الذي زرتُه يوم الأحد 25 أيلول 2011 للتبرُّك بهذه الأيقونة العجائبيّة، وأحضرتُ نسخةً عنها إلى كنيستنا لتلاوة المديح أمامها في ليالي الجمعة في الصوم الكبير.
فاقرأوا قصّتها وشاركوني الصلاة في هذا الصوم المبارك.
+الأب ملحم (المحيدثة)
 
Dionysiou Our-Lady

قصّة أيقونة المديح
تعود هذه الأيقونة المقدسة إلى القرن السابع الميلادي. سنة 626 م نشبت حرب بين الروم والفرس. استطاع الفرس أن يتقدموا حتى مدينة خلقيدونية. طمع الآفار، وهم قوم من البرابرة، بالاشتراك في الحرب ضد الروم ظانّين أنهم بهذا سيحصلون على غنائم جمّة. اندفعوا إلى أسوار المدينة المتملّكة، القسطنطينية. الإمبراطور هرقل، الذي كان متغيباً عن العاصمة بسبب انشغاله بالحرب، جعل البطريرك المسكوني سرجيوس وصيّاً على ابنه ونائبه في الحُكم. بإزاء الخطر المحدق بالعاصمة، هبّ البطريرك بكل فصاحة وشجاعة يثير الهمم ويشدّد العزائم، ويدعو المحاصَرين إلى التوكل على الله ووالدته الفائقة القداسة بقوله لهم:


“تشجعوا يا اولادي فإن رجاءنا بالنجاة ملقًى على الله وحده، ونحن رافعون إليه من كل قلوبنا ونفوسنا أيدينا وأبصارنا. هو الذي يبدّد المصائب والنكبات النازلة بنا ويدمّر مظالم أعدائنا”. وأخذ البطريرك يطوف مع الشعب شوارع المدينة ويدور حول أسوارها، حاملاً أيقونة المخلّص وأيقونة والدة الإله المقدسة مناجياً وباكيًا هكذا: “قم يا الله وليتبدد أعداؤك وليبيدوا كالدخان ويذوبوا كالشمع من أمام وجهك” (مز67: 1). أصبح البطريرك على حسب تعبير أحد المعاصرين “خوذة العاصمة ودرعها وسيفها”. ويقول فيه معاصر آخر: “إن البطريرك ما فتئ يواجه قوات الظلمة والفساد بأيقونتَي المخلّص والسيدة العذراء حتى زرع في قلوب الأعداء الرعب والخوف. فكانوا كلما عرض البطريرك من الأسوار أيقونة الشفيعة حامية العاصمة أعرضوا هم عن النظر إليها”.

أتمّ زعيم الأعداء كل ما يلزم لتهيئة الهجوم. ملأ خليج القرن الذهبي بالسفن، وحاصر الأسوار بالعساكر المشاة. ثم أمر بالهجوم على المدينة. ردّ الجنود المستعينون بالمخلّص ووالدته بشجاعة هجمات العدو الغادر. امتلأ ميدان القتال بجثث البرابرة، وفي الوقت عينه عصفت ريح عاتية جعلت البحر هائجًا مائجًا، الأمر الذي أدى إلى إغراق معظم سفن الأعداء وتحطّمها.
فتح شعب القسطنطينية أبواب المدينة وطارد البرابرة إلى معسكرهم. عند ذلك أحرق الأعداء جميع الآلات التي كانوا قد جاؤوا بها لتهديم أسوار المدينة وتقهقروا ومعهم الجيش الفارسي الذي مُني هو أيضاً بخسائر فادحة لمشاركته بالحملة.

أما الشعب المتعزّي بمعونة والدة الإله السريعة الإجابة فرنّم أمام أيقونتها المقدّسة: “إني أنا مدينتكِ يا والدة الإله، أكتبُ لكِ رايات الغلبة، يا جندية محامية، وأُقدّم لكِ الشكر كمنقذة من الشدائد، لكن بما أن لكِ العزة التي لا تحارَب، أَعتقيني من صنوف الشدائد، حتى أصرخ إليكِ: إفرحي يا عروسا لا عروس لها.”. وأَحيى الليل كلّه واقفاً على الأقدام مصلياً ومرنّماً للشفيعة السماوية نشائد المديح والشكر.

تذكاراً لهذا الانتصار والانتصارات الأُخرى الممنوحة بمساعدة والدة الإله، حدّدت الكنيسة المقدسة عيد مديح والدة الإله الفائقة القداسة في يوم السبت من الأسبوع الخامس من الصوم الكبير كل سنة حين ترنّم خدمة مديح العذراء الفائقة النقاوة المسمّى “أكاثيسطون” أي “الذي لا يُجلس فيه” لأن الشعب رتلّ هذه النشائد الشريفة في البدء واقفاً الليل بطوله.

كان يُحتفل بالمديح هذا في كنيسة البلاط الإمبراطوري حيث حُفظت أيقونة والدة الإله القائدة العجائبية مع ثوبها وزنّارها الشريفين وفي المكان الذي أقام الشعب الصلاة ساهرًا ليلة هجوم الآفاريين والفرس على مدينة القسطنطينية. في القرن التاسع، أُثبت هذا العيد في قوانين ديرَي مار سابا المتقدّس وستوديون، ومنهما انتقل إلى كتاب التريودي الذي يضمّ صلوات الصوم الأربعينيّ المقدس. وهكذا عمّ المديح الكنيسة الشرقية جمعاء.
اشتهرت هذه الأيقونة بجريان الطيب الزكيّ الرائحة منها. هي صغيرة الحجم وقاتمة لذلك فإن تمييز تفاصيلها صعب. الأيقونة موجودة في كنيسة على اسمها في دير القديس ديونيسيوس في جبل آثوس (اليونان) حيث يُتلى المديح يوميًا. تعرضت للسرقة مرتين، المرة الأولى كانت سنة 1592، والمرة الثانية كانت سنة 1767، وفي المرتين اضطر سارقوها إلى إعادتها إلى الدير.

في سنة 1592 هاجمت مجموعة من القراصنة دير القديس ديونيسيوس، وسرقت الأيقونة المباركة ووضعتها في صندوق بعد تغطيتها بأغطية كثيرة وأبحرت مسرورة بما فعلت. وما إن ابتعدت السفينة عن الشاطئ حتى تتالت ظهورات والدة الإله لزعيم القراصنة قائلة له: “لماذا وضعتني في السجن أيها الرجل الشرير؟ أرجعني إلى مسكني الذي أُقيم فيه بهدوء وسلام”. ولمّا لم يبالِ الزعيم بكلامها، قامت عاصفة هوجاء مفاجئة وتهددت السفينة بالهلاك. فعاد الزعيم إلى نفسه وتذكّر ظهور العذراء له، فأسرع إلى الصندوق الذي وُضعت فيه الأيقونة فألفاه محطّما إلى قطع صغيرة والأيقونة مبللة بالطيب الزكيّ العرف مع الأغطية التي عليها. وما إن رفع الأيقونة بيديه المرتجفتين حتى سكنت الريح وهدأت العاصفة. للحال عاد اللصوص أدراجهم إلى الشاطئ وأرجعوا الأيقونة إلى الدير. هذه الحادثة دفعت العديد من القراصنة إلى التوبة والعودة إلى الله تاركين لصوصيّتهم الأثيمة، فاعتمدوا وقد بقي قسم منهم في الدير وترهَّبَ.

أما في العام 1767، فقد سرقت عصابة من دالماتيا الأيقونة مجددًا، وفي طريق عودة العصابة إلى مقرّها، لاحظها بعض الرعاة اليونانيين فأخذوا منها الأيقونة ووضعوها في جزيرة سكوبوليس. رفض مشايخ القرية إعادة الإيقونة إلى رهبان دير القيس ديونيسيوس. وما إن مرّ ثلاثة أشهر حتى عُوقبت المنطقة بوباء الطاعون، فأدرك السكان خطأهم وتابوا وأعادوا الأيقونة إلى الدير، ووهبوه أُمطُشًا (أي وقفًا مع كنيسةٍ) في جزيرتهم.

فلنهتف نحن ايضًا نحو والدة الاله “افرحي ياعروسا لاعروس لها”، طالبين منها أن تُحرّرنا من أعداء نفوسنا، أعني الشهوات والخطايا، وتجعلنا شموعًا تتلألأ خلال عبورنا موسم الصوم الكبير هذا نحو الفصح الآتي  الذي نستحقّ فيه السجود لابنها وإلهها الرب يسوع المسيح له المجد، آمين.


أيقونة حديثة للمديح، تحيط بها الأيقونات الـ24 التي تُصوِّر مقاطع صلاة المديح الـ24 التي تبدأ بالتسلسل بأحرف الأبجديّة اليونانية الـ24.
 
Theotokos1 
أيقونة حديثة تُصوِّر السيدةَ صاحبة المديح، يحيط بها جمهور مسيحيي القسطنطينية سنة 626،
وفي مقدّمتهم الإمبراطور هرقل والبطريرك المسكونيّ سرجيوس،
وجميعهم يرفعون أكفّهم مبتهلين نحو السيّدة: “إفرحي يا عروسًا لا عروس لها”.

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share