حركة الشبيبة الارثوذكسية

mjoa Sunday March 11, 2012 206

من موضوع حديث إذاعي قدّمه المطران جورج خضر ضمن سلسلة من سبعة أحاديث إذاعية بثت له، محورها “مفارق التحوّلات في حياة شخصية”.

في خريف الـ1941، في الجامعة اليسوعية، في السنة الأولى في الحقوق والطب، اجتمعنا نفراً قليلاً من الطلبة حول فكرة البعث الروحي في كنيستنا، وكان الشقاء يخيم عليها آنذاك، نحسّها مرمية في صحراء وناسها دون التراث العظيم الذي للشرق المسيحي، كان هذا إقبالاً على هوية بمعناها الروحي الصرف. زمنيات الأرثوذكسيين ما شغلتنا يوماً في نهضة تلقّيناها في أنفسنا لمسات إلهية. أحببنا أن نعرف كيف سلك السالكون في الحق، المستشهدون في الحب، المعبّرون عنه لاهوتاً صوفياً، متماسكاً، محيياً، واكتشفنا أن المحبة هي المعرفة وأن الصلاة هي الذوق الكبير. وأن ليس من هوّة، على مدّ الزمان المبارك، بين الدم الإلهي المهراق والكلمات الذهبية وعبارات كانت هي الذرى في جهاد القديسين.

حسبنا أن المجموعة البشرية الساقطة بسبب من جهلها قادرة أن ترتفع على مستوى الكلمة وأن تصير إذ ذاك الكنيسة. وكان هذا يقتضي إمعاناً في تتبع الفكر المسيحي الشرقي قديمه وحديثه. وغدونا ننكب على كل ذلك ونوزّعه على الجائعين إليه ونكتب لغة جديدة تنبع من الجذور ولكن غذاء للمعاصرين. نهتك الحجب التي كانت تغطي وجه المسيح ونوقظ النيام ليشتهوه. وفي هذا المسعى اكتشفنا شيئين: الكلمة والقرابين. رأينا في بساطة أنّ خير من تكلم على الله هو الله نفسه فلنصغ إليه. ومعنى ذلك إننا اتخذنا الكتاب الإلهي ولا سيما العهد الجديد من الدفة إلى الدفة ونقرأ. ولكن علمنا أن الكتاب العزيز له أصداؤه عند آباء الكنيسة وفي سير قديسيها وفي طقوسها جميعاً. وأن الإخلاص الكامل يقضي بالتزود من كل هذا ونحن دون العشرين وما من أحد منّا كان احترف اللاهوت احترافاً. وتبيّن لنا أن جسد المسيح ودمه هما الحياة ودوامها وأن شركتنا مع القديسين ومع الإخوة الأحياء لا تتحقق إلا بذلك، فأعدنا مشاركة العلمانيين بالمناولة الإلهية في كل أحد وعيد وفهمنا أن هذا كان الأصل وأن التقاعس لا يشكل القاعدة. والنفوس المُحياة كانت تبدع ثقافة جديدة وأملاً اجتماعياً فيه رعاية للناس واتجاها مسكونياً واضحاً في تقارب الكنائس في ما كان بينها من وحدة. والهوية المستعادة تقديس ووعي وفيها حبّ للآخرين وما كان جديداً أو مستغرباً أن نحيا بلا عقدة من جماعة أخرى. فما نبشناه في الروحانية الشرقية كان يروينا ويبدو لنا طاقة كاملة للتجدّد والبعض منا جدّ جدّهم فاعتنقوا الرهبانية وملأوا الديورة في لبنان.
والنمط الرهباني واحد في كنيستنا عبادي منفتح للبشارة. والفكر في أديارنا ينبع من النساك القدامى والطقوسيات وينشر التراث أو تأتي الكتب الجديدة النابعة منه. ثم ينضمّ الحركيون إلى الكهنوت ويُدخلون إلى الرعاية اسلوباً جديداً يقوم على أن الإيمان والمحبة لا ينفصلان ولهذا يعظم هاجس الفقراء وتكثر المراكز الطبية لئلا يهلك أحد من انعدام المحبوبية.
وينصبّ الفكر الحركي في مجلة النور منذ 46 سنة وفي دار نشر أغنت مكتبتنا بشتى مواد المعرفة.
وكانت العناية بالأطفال بحيث يستطيعون أن يعرفوا المسيحية في برامج أعدت لهم خارج أطر المدرسة. وظهرت الايقونة التراثية من جديد وعُرفت لاهوتياً وفنياً، وعمّت الموسيقى والجوقات هنا وثمة وأخذنا نبعث العمارة البيزنطية بكل ما تجسده من خشوع وتلاقت الفنون الكنسية في النفس البشرية الواحدة.
ويلازمنا الضعف البشري وما أمسينا ملكوت الله على الأرض ولكننا قبضنا على أسباب التجدد في الكنيسة وعمقه وأسلوبه، بحيث أن كل خير وجلال وفكر حيّ ظهر في كنيستنا في الخمسين سنة الأخيرة متصل مباشرة بهذا التيار النهضوي الذي يسمى “حركة الشبيبة الارثوذكسية”.
بعضٌ منا مدين بكليته فكراً ودعوة وحياة وإنجازاً لهذا الذوق الروحي الذي اكتسبه من هذا الوجود الشاهد. من طبع كيانه بهذه الرؤية عليه مسحة من القدوس.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share