سبعون عامًا عمرها وما زالت شابّة

الأب جورج مسّوح Wednesday March 14, 2012 160

سبعون عامًا أصبح عمر “حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة”. ففي السادس عشر من آذار 1942، أطلقت مجموعة من الشباب الأرثوذكسيّ على رأسها جورج خضر الشاب ذو الثمانية عشر عامًا هذه الحركة النهضويّة في الكنيسة الأرثوذكسيّة التي كانت تعاني ركودًا مزمنًا. وقالت الحركة في مبدئها الأوّل: “حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة حركة روحيّة تدعو سائر أبناء الكنيسة الأرثوذكسيّة إلى نهضة دينيّة، ثقافيّة، أخلاقيّة، اجتماعيّة”.

تحلّت الحركة، منذ نشأتها، بالإخلاص للفكر الأرثوذكسيّ الراسخ في الإنجيل وفي التراث الكنسيّ الآبائيّ، وبالانفتاح، في الآن عينه، على المسيحيّين الآخرين عبر التزامها الحوار المسكونيّ والسعي إلى ترميم الوحدة بين المسيحيّين. كما أنّها آمنت بالانفتاح على المسلمين عبر سعيها إلى تفعيل الحوار المسيحيّ الإسلاميّ في ميادينه كافّة، الدينيّة والوطنيّة والاجتماعيّة.

ولا بدّ، في ظروفنا الراهنة، من الإضاءة على وثيقة أصدرتها الحركة عام 1970 لما تتضمّنه من توجّهات نراها نافعة في أيّامنا هذه. هذه الوثيقة، التي عنوانها “في التزام شؤون الأرض”، تدعو، انطلاقًا من الفكر اللاهوتيّ المسيحيّ عن تجسّد الله في التاريخ، إلى التزام قضايا الإنسان والوطن والعالم على قاعدة الروح المسيحيّة الأصيلة القائمة على المحبّة. لذلك تدعو الوثيقة إلى السعي من أجل عالم يسوده العدل والحرّيّة والسلام، وإلى التزام جانب المحرومين والمعذّبين “لأنّ المسيح وحّد ذاته معهم”.

تخاطب الوثيقة أعضاءها الحركيّين منذ اثنين وأربعين عامًا كأنّها تخاطب مسيحيّي اليوم، حيث تقول: “على الحركيّ أن لا يظلّ، شأن غالبيّة مسيحيّي هذه الديار، خاضعًا لمركّب الخوف والتبعيّة، معتبرًا نفسه مواطنًا من الدرجة الثانية”. تناهض الحركة هذا الشعور بالذمّيّة والدونيّة وعدم الفاعليّة الذي يسيطر على ذهنيّة غالبيّة المسيحيّين، قديمًا وحديثًا، وتدعوهم إلى الانخراط في تحسين شروط العيش في أوطانهم عبر السعي الحقيقيّ إلى المواطَنة السليمة القائمة على الحرّيّة والمساواة التامّة في الحقوق والواجبات بين المواطنين كافّة.

وتذكّر الوثيقة بالثلاث القضايا الأهمّ، آنذاك، والتي ما زالت مطروحة على ضمائر أبناء أوطاننا كافّة. ففي القضيّة الفلسطينيّة تقول الوثيقة: “إنّ الصهيونيّة ضدّ مبادئ الإنجيل، وإنّ دولة إسرائيل ضدّ العدل والسلام، وإنّ ثمّة ظلمًا يجب أن يُزال لتبقى للإنسان كرامته في فلسطين مهما كان انتماؤه الدينيّ والعرقيّ”. أمّا القضيّة الثانية فهي “التغيير الاجتماعيّ”، حيث تدعو إلى السعي “كي لا يظلّ مظلوم وظالم في المجتمع”، ذلك أنّ “المظلومين هم أحقّ الناس بالاهتمام، وأنّ كرامتهم هي كرامة المسيح ذاته”.

أمّا القضية الثالثة فهي الطائفيّة حيث تقول الوثيقة كلامًا لا لبس فيه يدعو إلى إلغائها، “فالطائفيّة السياسيّة ضدّ النظرة المسيحيّة للإنسان وضدّ المسيحيّة ككلّ”. وترى الوثيقة أنّ “الدولة المسيحيّة (اي المفهوم المسيحيّ للدولة)، إذا جازت التسمية، هي الدولة العلمانيّة”. وبناءً على ذلك تطالب الوثيقة الحركيّين كافّة “بإزالة الطائفيّة”. وهذا الموقف الواضح هو ما تلتزمه الحركة في نقاشها مع مَن يزعمون أنّهم ينطقون باسم الأرثوذكس من منطلق طائفيّ وذمّيّ ضيّق.

الحركة ما زالت ضرورة أرثوذكسيّة ومسيحيّة ووطنيّة ملحّة. صحيح أنّ عمرها سبعون عامًا، لكنّها تزداد شبابًا وحضورًا. هي ربيع الكنيسة الواعد دائمًا بحصاد وفير، فما من برعم فيها يينع ويثمر إلاّ وتنبت في مكانه براعم تريد أن تشهد على استمراريّة عمل الروح القدس في كنيسة حاضرة في كلّ ركن من أنطاكية العظمى التي ستبقى عظمى بنعمته تعالى.

الأب جورج مسّوح

“النهار”،14 آذار 2012

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share