كلمة سيدنا جورج خضر في إحتفالية مركز طرابلس للعيد السبعين لحركة الشبية الارثوذكسية

mjoa Tuesday March 20, 2012 165

البلمند، 17 آذار 2012
الإخوة الكهنة، الشمامسة، يا أحبّة
سنة 1942، أو 1943، كنت في اللاذقيّة أتعاون مع بعض الشبّان في تلك المدينة لتأسيس فرع للحركة. وكنت أعرف بوجود أرشمندريت مثقّف لاهوتيّ، سألت عنه، وذهب بي الشباب إليه. قال لي أنا تخرّجت من بطرسبرج – أي قبل الثورة البلشفيّ – أنتم الحركيّين من أين تأتون بصلاحيّة التعليم، من خوّلكم إذناً بالتعليم، أجبته توّاً “جرن المعموديّة”. لا أريد أن أدخل في نقاش حول “من يعلّم”، صدر كتاب مؤخّراً كتاب عن تعاونيّة النور، فيه مقالات، لريمون رزق وأسعد قطّان، ولغيرهما، أنا لم أجد في أيّة لغة أعرفها مقالات أقوى من هذه المقالات لتبيّن أنّ العلمانيّين الراسخين في محبّة يسوع مؤهّلون للتعليم، ما لا يلغي إطلاقاً صلاحيّة الكهنة ليعلّموا.

نحن، لم نقم مرّة مواجهة بين العلمانيّين والإلكليروس، وقلنا بالتعاون الكامل، وكنّا صادقين، وكان معنا مجموعة من الكهنة في كلّ المدن، في مختلف أنحاء الكرسي الأنطاكيّ. لذلك القول أو التهمة – لي سبعون عاما معتاد على التّهم – “أنكم فئويّين”، هي تهمة مردودة، فكريّاً هي مردودة. أنا لا أتكلّم من أعصاب متشنّجة، فعمري لم يعد يسمح لي بأن أكون متوتّراً، ولذلك أجيب بكلّ هدوء وطاعة ومحاولة تواضع: إنّ الكنيسة لا يمكن ان يكون فيها فئويّة، أي تعصّب، تحزّب، وشعور بتشكيل مجموعة مقابلة للمجموعات أخرى. هذا لم يرد في تاريخ المسسيحيّة، ولكن ما ورد في تاريخ المسيحيّة [هو] أنّ الروح القدس حرّ بأن يتنشئ مجموعات لها صبغتها، لها روحها، لها حماستها، لها حرّيتها في المسيح.

مار أنطونيوس الكبير، لمّا ترك بيته ليذهب إلى الصحراء لم يأخذ أذن المطران، الروح القدس قاده إلى البرّية، مطران ذلك الشاب العلمانيّ الذي بقي علمانيّاً، القدّيس أثناسيوس الكبير، العظيم في تعليم الثالوث القدّوس، ذهب إليه [ إلى القدّيس أنطونيوس] وركع عند قدميه ليتعلّم. المطران يمكنه أن يتعلّم من أصغر إنسان؛ هذا لا ينزع شيء من سلطانه، وقدسيّته، وواجب احترامنا وخضوعنا له، ولكن هناك حرّية في المسيح تلزمك على الكلام: “آمنت ولذلك تكلّمت”. لا أحد يمكنه أن يكمّ فمي، على أن أبقى في استقامة الرأي، وفي استقامة السلوك.

أيّ إنسان في هذه الكنيسة يمكن أن يلومني على انحراف. عندها نأتي، نأتي ونتكلّم أمام العالِمين، أمام الأتقياء: تعالوا، احكموا بيننا، هل نحن انحرفنا عن استقامة الرأي؟ … [مخاطباً مجهولون] لا أريد أن أتّهمكم بأنّه هناك تحزّب ضدّنا، أو رغبة في إلغائنا، لأنّكم تكونون تلغون الذين رأوا خلال سبعين سنة، وحتّى اللحظة هذه، تكونون تلغون الحبّ، ومَنْ يلغي الحبّ يكون مبغضاً، ومَنْ يبغض ليس لديه الله.

إذاً سوف نتكلّم في إطار المحبّة التي هي المسيحيّة كلّها. نحن لم نقل مرّة واحدة على ما أذكر- وأنا أعي السبعون عاما كلّها – لم نقل يوماً “نحن أقدس من فلان أو فلان”، أبداً. عندما كنّا نكتب في مجلّة النور منذ سبعين سنة، عن التخلّف الأرثوذكسيّ، عن ضعف التقوى في شعبنا، عن قلّة المعرفة في أوساطنا، عندما كنّا نخشى أن يهتك الجهل أعضاءنا، أنا أتحدّى كلّ من يعرف أن يقرأ، أن يأخذ أعداد النور منذ 1942 ويريني سطراً واحداً ننتقد مطران باسمه… أمّ إذا بولس، وحنّا، وبطرس، من شباب فتيّ، متهوّر، غاضب، قال شيئاً ضدّ الجالسين ببركات المسيح على كراسي الرسل، فهذا شأنه ونحن ضدّه، ونحن نوبّخه، نحن لا نتبنّى أيّ انتقاد شخصيّ لسلوك أيّ واحد في كنيستنا.

[مخاطباً دائماً مجهولون] إذاً إمّا نحن في سوء تفاهم ونعود إلى التفاهم بالمناقشة، أو نحن صرنا أشراراً وسيّئين ومتحزّبين فالغونا ونحن نفرح؛ ولكن اثبتوا لنا أوّلاً أنّنا صرنا أشراراً وجهلاء وأعداء الأرثوذكسيّة، وأعداء السلطة التي نجلّ. دعونا ننتهي من هذه التهمة، [التي] لا أعرف من أين أتت. لا أريد أن ادين أحداً، لا أعرف، لا أريد أن ادين أحداً لئلّا أُدان. تعالوا نبحث ببساطة وبصدق وتواضع كامل. إذا لم يكن هذا [السوء] موجوداً، نطلب منكم إذاً أن تكون لكم الرؤية الحركيّة. لا أحد يطلب منكم أن تقولوا أنّ الحركيّين قدّيسين، لا أحد. لكن مطلوب منكم أن تدرسوا وتطّلعوا على أدبيّاتها منذ سبعين سنة، وتروا إن كانت هذه الأدبيّات المنشورة فيها انحراف عن استقامة الرأي، أو عن أيّة ممارسة أرثوذكسيّة في الكنيسة. تعالوا إلى الحبّ؛ واغفروا لنا إن كان من أحد فينا قد دخله الشطط، نرجوكم اغفروا لنا إذا أخطأنا كأشخاص بالقول أو بالفعل؛ الفكر لا يمكنكم أن تدخلوا إليه لأنّه في الدماغ. نحن نجثو أمام كلّ الناس حتّى يغفروا لنا خطايانا، لكن نحن لا نتنازل عن الرؤية لأنّ الرؤية نزلت علينا، ومَنْ مِنكم يفكّر أنّ هذه ليست رؤية نزلت من الروح القدس، فليترك الحركة اليوم وليس غداً. كيف مررنا بكلّ هذه التجارب والمشقّات والقمع، كيف مررنا بها وبقينا سبعين سنة؟

ليس في نفسي مرارة، ولكن كان في نفسي حزن وأرجو أن أتجاوز هذا الحزن. رجائي إلى الله أن يقرّر أن أموت، فأنا مسنّ كثيراً، رجائي إلى الله أن يصالحنا مع الذين لم يشاهدوا الرؤية، حتّى يفرحوا بما فرحنا نحن به. لا أريد أن لأتعب وأصوّر لكم كيف كانت الكنيسة قبل سبعين سنة، نحن نريد أن ننسى الخطايا، خطايانا وخطايا الناس. أنا لم أكن لأصعد على هذا المنبر لو كان لديّ أدنى شكّ بأنّنا عمل الروح القدس في كنيسته، في أنطاكية.

الشيء الثاني الذي أودّ – ولن أطيل – قوله هو أنّ طبيعة الحركة هي من طبيعة الكنيسة، هي لا تختلف عن الكنيسة. أتى مرّة أحدهم يعاتبني لأنّني قلت بأنّ الحركة هي الكنيسة، يا أخي أنا لا أقول أنّ الأمين العام السابق، والأمين العام الحالي، والإخوة هنا والإخوة في الخارج، أنا لا أقول أنّهم هم كلّ الكنيسة، أنا أقول أنّ إحساسهم هو الإحساس الكنسيّ، أنا أقول أنّ تطلّعاتهم إلى المستقبل هي تطلّعات الكنيسة الأرثوذكسيّة. أمضينا سنوات من عمرنا، منذ البدء، عندما كنّا علمانيّين، ونحن نقرأ الفكر الأرثوذكسيّ في كلّ اللغات. أنتم أنتم الجدد والصغار، لا تعرفون كم من تعب هائل كي نتعرّف على كنيستنا ونحن درسنا في مدارس أجنبيّة غريبة عن كنيستنا، ولمّا قبضنا على الإيمان الأرثوذكسيّ، قلنا نحن له، ونحمله، ونحمله أمام كلّ الناس. لا أحد يمكنه أن يدّعي أنّ له مكانة عظيمة ومقام خارج عن هذا الإيمان. ما الذي يربطنا؟ ما الذي يربطنا ببعضنا البعض، علمانيّين وإكليروس، غير الإخلاص لهذا الإيمان؟ إذا لا تغيّروا طبيعة الحركة، هي إيمانيّة، لا تعرف شيئاً خارجاً عن هذا الإيمان. الآن، تريدون أن تقولوا رأيكم بأمور هذه الدنيا، فهذا مطلوب. كأفراد يمكنكم أن تختلفوا مع بعضكم البعض، في أمور الوطن، في أمور السياسة، الاختلاف مطلوب لأنّ الذكاء مطلوب. لكن ما عليكم أن تحرصوا عليه بالدرجة الأولى هو أن تظلّوا واحداً، وأنتم واحد إذا كان إيمانكم واحداً.

نحن نعرف من أين جئنا، جئنا من الكلمة الإلهيّة، وهذا يذكّرني بما قاله الله لحزقيال النبيّ “خذ هذا الكتاب وكُلْهُ”، كُلْ، كُلْ، كُلْ الإنجيل، صِر أنتَ إنجيلاً بسلوكك، بحياتك، بفكرك، بكلامك، بطاعتك للكنيسة. هل صِرنا أناجيل حيّةً كما أرادت هذه الفتاة التي قدّمت برنامج هذا المساء؟ نسأل. غريغوريوس النيصصي، أخو باسيليوس الكبير، قال : لمّا قال يسوع في إنجيل متّى “كونوا كاملين كما أنّ أباكم السماويّ كامل” أراد أن يقول أسعوا إلى الكمال. الحركيّون غير كاملين، ولكنّي أشهد لهم، بعدما راقبتهم خلال سبعين سنة، أشهد لهم أنّهم سعوا، ويسعون، وسوف يسعون، ليظلّوا حاملين الكلمة، الكلمة فقط، الذي – بالمذكّر- استهلّ الكلام عنه يوحنّا الحبيب ” في البدء كان الكلمة” أي يسوع. “في البدء كان الكلمة”، لمّا كتب يوحنّا الإنجيليّ كتابه، وخلال ألفي سنة، كان الكلمة ولم يكن في الكنيسة غيرُ هذا الكلمة.

قد يتسلّى أحد، في مجلّد لمجلّة النور كلمات ضعيفة أو خطأ ذلك أنّ ليس كلّ الناس تعرف أن تكتب، يجوز، ولكن نحن نطلب بتواضع وانكسار قلب وبلا إدانة أحد، نطلب بأن يشهد للرؤية التي لنا، ، نحن لسنا بشيء، نحن من تراب الأرض، نطلب أن يشهد لهذه الرؤية وأن يعانق هذه الرؤية، لأنّه إنْ لم يعانق هذه الرؤية فمعنى ذلك أنّ هنا شيئاً ما في “رأسه” خطأ.

أقول مجدّدا، حتّى أنهي هذه الأمسية: اغفروا لنا إن كنّا أخطأنا، كبشر كلحم ودم، حُثّونا، أرجِعونا إلى الطريق التي رسمناها، حاكمونا على ما نحن قلناه، ونحن نصغي إلى كلّ كلمة حقّ قيلت لتعالجنا، نحن نتعب من المرض، أصلحونا، كبشر؛ ولكن كفّوا عن القول “إنّكم فئويّون، خلقتم حزباً لكم في مواجهة الكنيسة”؛ لا يمكن لأحد أن يواجه الكنيسة ويحيا، الكنيسة هي كلّ الحياة.

أعود لأقول فرحي بكم جميعاً، أنتم الأعضاء في مركز طرابلس، لأقول فرحي بكم جميعاً، لأدعوكم إلى التواضع وإلى الطاعة، إلى الطاعة الصادرة من القلب لمن تجب له الطاعة، والرسول قال “أطيعوا بعضكم بعضاً”، في رسالته إلى أهل أفسس التي نقرأها في خدمة الزواج. سوف نطيع بعضنا البعض، سوف نطيع رؤساءنا الروحيّين، سوف نذهب من هذا المكان وكلّ واحد منّا معاهدٌ نفسه على فضيلة الاتّضاع والتواري، نتوارى نحن عن الوجود لأنّنا نعرف ضعفنا، ولكن لن نتوارى عن الكلمة لأنّنا سُلِّمناها في جرن المعموديّة، ولن نخون المعموديّة.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share