رضوان السيّد والدين والأخلاق

الأب جورج مسّوح Wednesday March 21, 2012 165

ينتقد الدكتور رضوان السيّد، في مقالته “البطاركة والدين والأخلاق والنظام السوريّ” (صحيفة “الشرق الأوسط” السعوديّة، 9 آذار 2012)، مواقف بطاركة الأرثوذكس والكاثوليك والموارنة من الأزمة السوريّة، ويعدّد أسبابًا عدّة دفعته إلى توجيه سهام الانتقاد نحوهم. غير أنّ السيّد، في الوقت الذي ينتقد مواقف البطاركة “الطائفيّة” وفق زعمه، يستعمل لغةً تنضح بالتعصّب المذهبيّ، وأسلوبًا سوقيًّا ساخرًا لا يليق بما يحمله من علم وأخلاق ولياقة أدبيّة.

يستنكر السيّد عدم حديث البطاركة “عن حقوق الإنسان”، وأنّهم “يفضّلون التبعيّة لحكومات الأقلّيّات العلويّة والشيعيّة، على حكومات الحرّيّة وحقوق الإنسان وحكم القانون والمواطنة”. يقول السيّد هذا الكلام في صحيفة سعوديّة لم تعترف دولتها بشرعة حقوق الإنسان العالميّة التي أصدرتها الأمم المتّحدة إلاّ بعد تسجيلها تحفّظات عدّة عليها، أهمّها حقّ الاعتقاد والتعبير، وحقّ المرأة بالمساواة مع الرجل.

أمّا في مسألة المواطنة، فالسيّد نفسه سخر من تعبير “المواطنة” وذلك في ندوة جرت منذ سنتين ضمن نشاطات “معرض الكتاب العربيّ”. فالسيّد قال حينها إنّ “الأقلّيّات المسيحيّة” تتملّكها عقدة الإسلام السياسيّ، لذلك تدعو إلى المواطنة التي يرفضها الفكر الإسلاميّ القائم على مفهوم “الأمّة”. فإذا كان رضوان السيّد “المعتدل” يرفض مبدأ المواطنة، فكم بالحريّ غلاة المتطرّفين الذين وصلوا إلى الحكم هنا وثمّة؟ أضف إلى ذلك أنّه يتهكّم في مقالته السعوديّة على “تخوّف البطاركة على المسيحيّين من التطرّف الإسلاميّ”، غافلاً تخوّف العديد من المسلمين على أنفسهم من التطرّف ذاته.

ثمّ لماذا لم يظهر السيّد الغيرة ذاتها على ثوّار البحرين؟ هل لأنّهم شيعة؟ علمًا أنّ الشيعة يشكّلون الغالبيّة. لماذا أغفل السيّد تأييد المسيحيّين العراقيّين لنظام صدام حسين المنتمي إلى أقلّيّة سنّيّة في بلاد أكثريّتها شيعيّة؟ أليس كلامه نابعًا من تعصّب أعمى لأبناء أمّته الدينيّة، لا حرصًا على حقوق الإنسان والحرّيّة والمواطنة؟ إمّا أن يحمل المرء لواء الشعارات ذاته، ويدافع عن القيم ذاتها، في كلّ مكان من العالم العربيّ، وإمّا لن يصدّقه أحد.

يستعمل السيّد دهاءه المشهور به، فينتقد رجال الدين المسلمين السنّة الذين يوالون النظام السوريّ، وينتقد البطريرك القبطيّ البابا شنودة (المقالة نُشرت قبل وفاة هذا الأخير) لأنّه والى نظام حسني مبارك. غير أنّه يتناسى أنّ شيخ الأزهر والى مبارك أيضًا حتّى آخر رمق، ويوالي المجلس العسكريّ، شيخ الأزهر الذي يريد تنصيب نفسه وصيًّا على مجلس النواب المنتخب من الشعب لتقرير ما هي التشريعات التي تناسب “الفهم الإسلاميّ الصحيح” للشريعة الإسلاميّة. ويغمض السيّد عينيه عن باقي المفتين في العالم العربيّ، وعلى رأسهم مفتي السعوديّة، الذين يوالون الأنظمة الحاكمة ويفتون وفق أهوائها ومصالحها.

لسنا ضدّ انتقاد رجال الدين، مهما علت رتبهم، حين يتّخذون مواقف في الشأن العامّ. غير أنّ الانتقاد لا يعني التهجّم الشخصيّ عليهم والاستهزاء بهم. فمَن يضع كلمة “الأخلاق” في عنوان مقالته عليه أن يتحلّى بالأخلاق، فلا يقول عن أحد البطاركة: “وإذا كان للبطرك الأرثوذكسيّ هزيم بعض العذر بسبب تقدّمه في السنّ…”، ولا يصف الثلاثة البطاركة بـ”الأشاوس”… ثمّة متقدّمون في السنّ يفوق حضورهم الذهنيّ، يا صاحبي، الكثيرين ممّن هم على عتبة الشيخوخة!

الأب جورج مسّوح

“النهار”،21 آذار 2012

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share