القيامة والشهادة للحقّ

mjoa Saturday April 21, 2012 116

“المسيح قام. حقاً قام”، يهتف المسيحيّون في عيد الفصح المجيد. والمسيحيّة، أصلاً، تقوم على الإيمان بقيامة المسيح من بين الأموات بعد صلبه ودفنه. ومن دون القيامة تصبح المسيحية باطلة، وفي هذا يقول الرسول بولس في الرسالة الأولى إلى الكورنثيّين: “وإنْ كان المسيح ما قام، فبشارتنا باطلة وإيمانكم (أيّها المؤمنون) باطل” (15، 14). ويؤكّد الرسول نفسه على كون قيامة المسيح مقدّمة لقيامة المؤمنين به، فيقول: “وما دمنا نبشّر بأنّ المسيح قام من بين الأموات، فكيف يقول بعضكم إنّ الأموات لا يقومون؟” (15، 12).

هذا الإيمان بالقيامة جعل المسيحيين الأوّلين يواجهون، بلا خوف ولا وجل ولا تردّد، الأخطار والاضطهادات والتعذيبات والاستشهاد. وكان اقتناعهم راسخاً بأن الموت هو مجرّد عبور إلى الحياة الحقيقيّة الدائمة: “وإذا كان الأموات لا يقومون، فلماذا نتعرّض نحن للخطر كل حين؟” (15، 30). هكذا تكون القيامة قد حرّرت الإنسان من ترابيّته، وأطلقته في فضاء الحرية المؤدّي إلى المجاهرة بالحقّ مهما كان ثمنها باهظاً.

المسيحية لا تقتصر على نظام من العقائد والشعائر والأخلاقيات، بل هي طريقة حياة تقوم على الاقتداء بالمسيح في كل شيء. فالمسيح قال لتلاميذه بعدما غسل أرجلهم ليلة تسليمه للصلب: “أنا أعطيتكم ما تقتدون به، فتعلّموا ما عملتُه لكم” (يوحنّا 13، 15). والصليب هو أهمّ ما أعطاهم إيّاه قدوةً لهم في حياتهم: “مَن أراد أن يتبعني فليكفر بنفسه ويحمل صليبه ويتبعني” (مرقس 8، 34). إذًا، بدء الإيمان بالله هو كفر الإنسان بنفسه.

المسيح لم يأتِ بنظريات فلسفية، ولا بنظام عقائدي مركّب، ولا بشريعة جامدة، ولا بتأمّلات تجاوزية للواقع الذي يحيط بالإنسان. هو دعا إلى ممارسة فعل المحبّة المطلقة: “وصيّة واحدة أعطيكم، أحبّوا بعضكم بعضاً كما أنا أحببتكم. ما من حبّ أعظم من هذا: أن يضحّي الإنسان بنفسه في سبيل أحبّائه” (يوحنّا 15، 12-13). عيش المحبّة، التي تقتضي أحياناً بذل الذات حتى الموت، هو المحكّ الوحيد لحقيقة الإيمان.

لا يصدق المسيحيّون إذا كان الصليب لديهم مجرّد شعار يرفعونه هنا وثمة، أو حلية يضعونها على صدورهم للمفاخرة والمباهاة. ولا يصدقون إذا كان الاحتفال بقيامة المسيح لا يعني الإيمان بقيامتهم معه وعدم خوفهم من مواجهة أيّ مصير ينتظرهم. ولا يصدقون حين يفقدون الرجاء في الشهادة، بالقول أو بالفعل أو بالموت، لما يؤمنون به. كلّ عقيدة تصبح باطلة وبلا جدوى حين لا يحياها ويمارسها في العمق المؤمنون بها.

“أنا وُلدت وجئت إلى العالم لكي أشهد للحقّ” (يوحنّا 18، 37)، قال المسيح في محاكمته أمام بيلاطس الحاكم، ويؤكّد التراث الإسلامي على هذا الأمر حين يقرّ بأن المسيح هو “قول الحقّ” (سورة مريم، 34). وقد أدّى ثمن هذه الشهادة للحقّ موتاً على الصليب، ولكن أيضاً قيامةً من بين الأموات. المسيح ليس في حاجة لأن يفرح الناس بقيامته، بل يشاء منهم أن يحملوا صليبهم كما حمل هو صليبه، فيفرحون ويفرح هو معهم بقيامتهم الآتية لا ريب فيها. المرجو هو أن يفرح هو بهم أكثر ممّا هم يفرحون به وبما صنعه من أجلهم ومن أجل العالم.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share