شفيق حيدر:”المربي الدكتور كوستي بندلي”

mjoa Sunday April 22, 2012 184

لا بدّ بداءة من بوح.
لقد سرّني كثيرًا تكليف الصديقين الدكتور أميل يعقوب والدكتور رامي عبدالحيّ أن أتحدّث عن الصديق المربّي الدكتور كوستي بندلي الّذي له الفضل الكبير في مساعدتي شخصيًا على أن أربـو وأنمـو وأزيد.
ولكنّي ومن باب المصارحة أقول إنني وجدت نفسي أمام مسالك متشعبّة وأمداء شاسعة فتعييني الأمانة لكوستي بندلي في دقائق معدودات وهو صاحب نيّف وأربعين مؤلّفًا في موضوعات متنوّعة.
ترجمته
* كوستي (قسطنطين) اسكند بندلي ولد سنة 1926 في مدينة الميناء – طرابلس (لبنان)
* عمل في التعليم منذ حداثته في السنة 1942، وفي التعليم الثانوي الرسمي والخاص منذ 1951. كان عونًا لولدته تيودورة بولس بعد وفاة والده وتمكّنا من تخريج أربعة أخوة جامعيين وهم الدكتورة اسبرانس خلاط والمطران بولس والدكتورة غلوريا نحاس والدكتور مرسيل.
* حصّل تعليمه العالي فيما يعمل.
* تخرّج من مدرسة الآداب العليا في بيروت ثم تابع تحصيله الجامعي في ليون (فرنسا)، حصل على الإجازة التعليميّة في علم النفس وعلى دبلوم في علم النفس التطبيقي. نال دكتوراه دولة في الفلسفة من جامعة ليون الثالثة. وأتت أطروحته حصادًا لسنوات غرس طويلة وتتويجًا لحياة اتصفت بنسك البحَاثة والقرّائين، ومثل هذه الحياة لا يبلغ صاحبها غايته القصوى في مجالات العلم والمعرفة واكتناه الحق.
* متزوج من السيدة كاتي دروبي ولهما ثلاثة أولاد هم اسكندر وغسان وضياء.
* كان أستاذًا لعلم النفس في الجامعة اللبنانيّة (1962 – 1964) وفي مدرسة الآداب العليا في بيروت (1962 – 1969).
* مارس الإرشاد التربويّ عبر لقاءات عديدة مع الشباب، أفرادًا وجماعات، خاصّة في إطار التعليم الثانويّ وحركة الشبيبة الأرثوذكسيّة.
* مارس التوعية النفسيّة التربويّة للأهل عبر ندوات دعت إليها عدة مدارس خاصّة في طرابلس، واستشارات شخصيّة.
* له نيّف وأربعون مؤلّفًا صدرت عن “منشورات النور” و”تعاونيّة النّور” في بيروت ، و”جرّوس برس” في طرابلس، و”دار زخّور” في حلبا، و”المطبوعات الدولية” في القاهرة. وتدور هذه المؤلفّات حول مواضيع دينيّة وفلسفيّة ونفسيّة وتربويّة واجتماعيّة.
* له مقالات وندوات عديدة موضوعاتها متنوّعة، منها ما نُشر في دوريّات ومنها ما هو محفوظ في أرشيفه الألكترونيّ.
آثاره حتى اليوم
عرضت أمامكم جلّ مؤلّفات مفكرنا كوستي بندلي، ونأمل أن تزداد تنوعًا وعددًا، وهي تتوزّع على ثلاثة محاور رئيسة:
أ – الإيمان والقضايا الإنسانيّة المعاصرة.
ب_ كتب دينيّة: طقوس، عقيدة، كتاب مقدس ورعاية.
ج _ كتب تربويّة شبابيّة.
أمّا مقالاته الوفيرة فقد نشر منها الكثير ويُحفظ ما لم ينشر وما سيُكتب. كتب هذه المقالات ردًا على تساؤلات واستفسارات توجه بها إليه شباب ناهد إلى الحقّ الّذي وحده يحرر، وتدور حول الإيمان والحياة، الإيمان والفكر والعلم المعاصرين، الإيمان والمجتمع، رؤى نهضويّة، حوار الأديان، تربية وعلم نفس، قضايا شبابيّة ومقالات روحيّة.
وإن كان لي رأي أبديه في آثار كوستي بندلي أقول إن ثمّة بعضًا من كتبه، على أهميّة الكلّ البالغة، يمكن اعتبارها أمّهات كتبه وهي، إضافة إلى أطروحته للدكتورا في محاورة الفروديّة، “مدخل إلى العقيدة المسيحيّة” و”إله الإلحاد المعاصر” و”الجنس ومعناه الإنساني”.
بعض الشهادات في كوستي بندلي
” … إنّ التبادل المشترك بين العلوم الإنسانيّة وإرث التقليد الأرثوذكسيّ النسكيّ والروحيّ بدأ كوستي بندلي تحقيقه في لبنان، وأحرص على توجيه التحيّة لعمله…”

الفيلسوف أوليفيه كليمان 1991

“…من حسن حظ القارىء العربيّ أن يصدر كتاب في “الجنس ومعناه الإنسانيّ”، لكوستي بندلي,,, وجدت نفسي أمام عقل راسخ في معرفة الأسس والأصول، متحرّر من التّزمّت والتقليد، منفتح على التيّارات المعاصرة في مجمل تناقضها…”

النّقيب رشيد درباس 2011، في عشاء جمعيّة قدامى مدرسة مار الياس، الميناء

” في كتاب إله الإلحاد المعاصر أراد كوستي بندلي تحطيم ديانة الغوغاء لينصب محلّها الدّيانة الأصيلة…”

الشيخ نور الدين البكري

“…ما يميّز كوستي في الكتابين (مع تساؤلات الشّباب وإله الإلحاد المعاصر) هو أنه منطقيّ، وأنّه غير متزمّت، يستعمل عقله ليخاطب عقل القارىء…محاور ومفنّد لحجج الآخر ومحاجج، ومنفتح على الحقيقة التي عند الآخر، مبيّنها ومبيّن حدودها، وفاتح أمام الآخر صاحب الرأي المختلف آفاق لم يرها أو لم يرد دخولها… عند كوستي بندلي الإيمان والحياة يتعانقان، وهذا هو لبّ جهده المتواصل، ولبّ إيماننا”

د. خريستو المرّ 2006، “قراءة في كوستي بندلي”

“الأيقونة الأسمى في هذا العالم قد تكون الإنسان نفسه. فهو كون مصغّر، جسر إلى السّماء، نقطة لقاء كلّ خليقة الله. هذه الأيقونة البشريّة تتألّه حسب اللاهوت الأرثوذكسيّ دون أن تصير إلهًا. بلقاء الله الّذي يحلّ فيه، يصبح الإنسان كونًا متكاملاً فيه كل منظور وغير منظور، عبره نبصر الله ونكتشف عمله الخالق ومراميه… عند هذا المستوى، تكتمل العلاقة بين الله والإنسان، وهكذا يكتمل فكر كوستي الّذي انطلق من معطيات التحليل النفسي العلمي ليبلغ مدى يستوعب ذلك السّرّ العظيم المتمثّل بالإنسان، الكائن الوحيد القادر أن يصل إلى الله، وأن يستقبل الله في ذاته…”

البروفسور د. نجيب جهشان، “حوار مع فرويد – الله والإنسان في فكر كوستي بندلي”، 2011

“… أودّ أن أذكر أن كوستي بندلي يرفض، وبشكل قاطع، أن يقال عنه معلّم. فيقول: “في صورة المعلّم فوقيّة وسيل معلومات في اتجاه واحد أمّا أنا فأتعلّم وأعلّم”. كان يدخل مع الآخرين في علاقة صداقة يعلّم ويتعلّم، وربما هذا من أسرار أهميّته، إذ أنه لم يتوقف قط عن التعلم ومن أيّ شخص كان”

د. نقولا لوقا، 2011

“المعرفة، بمعناها الدسم، التي ليست بسط معلومات، إن هي إلاّ تفجير الحبّ. كوستي بندلي كان يعرف أن يحبّ، أي أن يبذل نفسه فداء عن كثيرين. الآخر في تصاعده هو المبتغى. وترقّي الآخر شرطه تنازلك أنت إليه، فإذا بالعلم والمتعلّم واحد… ما من شك أن كتبه تكشف فكره، ولكن طوبى للذين عرفوا أن فلبه ولسانه وقلمه واحد.”

المطران جورج خضر

“إن علم النفس التحليلي حسب طريقة بندلي قائم على نظرة فلسفيّة إلى الإنسان والكون والله، هذا المثلث الذي يفسّر المؤلّف بواسطته نظرته إلى الوجود ويجعله أساسًا يقيم عليه منهجه النفسيّ التحليليّ.”

د. أديب صعب، “خماسية كوستي بندلي: ثورة مزدوجة في علم النفس”

“عليّ أن أصرّح أن أطروحة صديقي كوستي بندلي هي الأكمل بين المؤلفات في علم النفس الدينيّ أو مقاربات التحليل النفسي للدين الّتي رجعت إليها سحابة عملي، منذ خمسين سنة، كعالم نفس عياديّ وكمحلل نفسي وذلك لأنّها تتجاوزها كلّها في الغنى والتنقيب والتعمّق والدقّة… وأنا أسجّل للكاتب تقديري له في خمسة محاور وهي: بساطة الباحث وتواضعه، دقّة الفكر ونزاهته عند الكاتب، الموسوعيّة والشموليّة عنده، ملاءمة ما انتهى إليه، الإنفتاح على آفاق الروح والترقّي…

De la psychanalyse a la spiritualite,dialogue avec Freud, Dr. Mounir CHAMOUN, 2011

تعليـق
عرضت لكم، أيها السادة، بموضوعيّة آثار الدكتور بندلي وجعلت غيري يقول فيه بعض ما يقول، ولكن لا أستطيع أن أترككم دون أن أورد، وبعجالة رأيي فيمن نجتمع لنقف على فكره ونلاحظ خدمته للعديد من سيدات طرابلس ورجالاتها، أستاذًا في ثانويّة المربّي حسن الحجّه (ثانويّة الملعب) والثانويّة الوطنيّة الأرثوذكسية (مار الياس في الميناء)، وأستاذًا في الجامعة اللبنانية ومدرسة الآداب العليا في بيروت، حتّى صحّ فيه قول الشاعر:
خدم البلاد وليس أشرف عندهمن أن يُسمَّى خادمًا لبلاده وأحصر ملاحظاتي بخمس:
أولاً – أسلوب مفكرنا
كثيرون علّموا، وكثيرون عرفوا ولكنّ المربي كوستي بندلي يتميّز بالأسلوب السهل المفهوم، وهكذا يتحلّى بتمكّنه من نقل الأفكار الأدبية والفلسفيّة الصعبة والدقيقة بوضوح بالغ فيفقهها المبتدئون والمتقدّمون، وإن شرحها لهم باللغة الفرنسية . وتلاميذ كوستي بندلي الكثر يشهدون على ذلك.
ثانيًا _ الكهنوت الملوكي
اسمحوا لي أيّها السّادة أن أنوّه بأن لهذا التعبير في اللغة المسيحيّة مدلولاً خاصّا مرتبطًا بوظيفة الكنيسة الّتي عليها أن تحبّ العالم وتعمل على رفعه إلى عتبات السماء. هذه الوظيفة الكونيّة تفيد أن الغيتويّة مناقضة لطبيعة الكنيسة المسيحيّة ويقوم بها المؤمنون كلّهم إذا أرادوا أن يجسّدوا انتماءهم إلى كنيسة الناصريّ. إنها غير محصورة بالإكليريكيين والرهابين ولكنّها مسؤوليّة المؤمنين كلّهم. كوستي تكرّس لممارسة هذا الكهنوت في حياته، في مهنته وكتاباته، في نشاطه العلمي والاجتماعيّ. واسمحوا لي أن أؤكّد أنّ قلّة عزيزة جدًّا من رجال الأكليروس قدّموا الخدمة الّتي قدمها كوستي بندلي للإيمان والعالم.
ثالثًا _ النبوّة
النبوّة هي إعلان مشيئة الله ودكّ المفاهيم المغلوطة عن الله. هي ليست محصورة في معرفة الآتي والمخفي. انطلاقًا من هذا أرى أن كوستي بندلي انكب يقرأ الكتب المقدسة التي أكسبته حكمة للخلاص. فانبرى في كتاباته ينشر الصحوة الدينيّة الأصيلة. وهو بذلك يمتّن الوحدة المجتمعيّة وينبّه من مخاطر العصبيّة الطائفية التي تشوّه، وقد وعى حقيقة الدّين، الإيمان والأديان. إن كتابه “موقف إيماني من الطائفية” و”إله الإلحاد المعاصر” يؤكدّان أن لكوستي صوتًا ونبرة نبويين.
رابعًا _ الإيمان والإلتزام أو قلْ أيضًا: الفكر الملتزم
من مطالعتنا لهذا الأرث البندلي المستمر نلمس تشديدًا عنده على حقيقة ثابتة وهي أن “الإيمان بدون أعمال مائت”. فالإيمان المستقيم يحمل على التزامه في الحياة اليوميّة وفي دقائقها. وهذا الإلتزام واضح ناتيء عند كوستي بندلي. فهو أثناء ممارساته المهنيّة كان المثالَ في الإخلاص والدقّة والانضباط والصدق والجرأة وحبّه للنّاس الّذين لاقاهم في مشوار عمره الّذي نرجوه مديدًا. هذا كلّه لاحظته وسمعته من زملاء رافقوه ورجال تتلمذوا عليه.
وفي توجيهاته وكتاباته يشدد كوستي على أن من مستلزمات الإيمان أن يتجنّد المؤمنون لتُجَسِّدَ أفعالهم ونشاطاتهم، على تنوعها، ما يؤمنون به، فيعملون على إقامة العدل ونشر السلام ورفع الظلم والعوز والألم. واجب المؤمنين أن يحبّوا الإنسان، إي إنسان، وبخاصّة الفقراء والمضطهدين والمقهورين محبتهم لله وإلاّ فهم كاذبون. المؤمن الحق لا يتغرّب عن أرضه ومن عليها بل يبذل قصارى جهده ليجعل الأرض سماء يرعى فيها الذئب مع الحمل ويغزر فيها ويعمّ اللبن والعسل.
خامسًا _ التربية بالحوار
والحوار سعي المتحاورين إلى الحق. فكيف لمعلّمٍ أن يعتمد الحوار أسلوبًا وهو الّذي يعرف ما عليه أن ينقل للتلاميذ؟ الحوار التربويّ يعني احترام عقول التلاميذ وحقّها بحريّة التفكير. ما نعتبره حقيقة لا نفرضه فرضًا بل، بالحوار، نحاول إقناع مَن نحاور به. عند المربي كوستي بندلي تلتقي حريتان، حريّة المربّي وحرية مَن يربي. ولأن مربينا بندلي يحترم محاوره أفول لم يكن حواره شبيهًا بحوار سقراط تلاميذه، لأنّ منهج سقراط الحواري قام على التهكم فالتوليد. أمّا كوستي فقد أبى التهكم في محاورته. فمهما بدت الآراء ضعيفة سخيفة كان يتقبلها باحترام بالغ لأنّ صاحبها إنسان يستحق الاحترام بمعزل عن آرائه. إنها الخطوة الأولى في الحوار وليست الأخيرة، إذ بعدها يفتّق في روعه الحقائق. مثل هذا الحوار شبيه بحوار المسيح مع المرأة السامرية، حوار بدأه بطلب الماء منها، ليحملها في نهاية المطاف إلى العبادة بالروح والحق.
النّهاية
آمل أيها السّادة أن أكون قد وفّيت مفكرنا الموسوعي بعضًا من حقّه وأن أكون قد ألقيت شيئًا من الضوء على النتاج الغني الّذي رفد عقولنا به وأنار قلوبنا. وأحمّل السيّدة زوجته شكرنا العميق وتمنياتنا له بالصحة والعافية الدّائمتين. ولا بدّ من أن نثمّن جهوده الموصولة وتبتله وننحني أمام تواريه. كما أني أنوه بمنظمي هذا المؤتمر وتعبهم، وأخيرًا أشكر الحضور الكرام فردًا فردًا.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share