القيامة الكونية

mjoa Saturday April 28, 2012 162

القيامة حدث وفكر اي انها كانت واقعا في مسيرة يسوع الناصري ولكنها كانت معنى. هذا تعبّر عنه أنشودة الفصح القائلة: “المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت”. المراد بهذا القول إن الموت لمّا دخل المسيح لم يتحكّم به وكأنّ هناك شيئاً يتجاوز وطأة الحدث ويعبّر عن انتصار المخلّص ضمن واقعة الميتة.

الموت حدث توضحه الأناجيل الأربعة في فصول عديدة كما يركّز عليه بولس أيضًا. في رواية لوقا: “وتبعه جمهور كثير من الشعب والنساء اللواتي كنّ يلطمن أيضاً وينحن عليه” (23: 27). وبعد أن رُفع على الخشبة “أسلم الروح” (23: 46). عبارة أسلم الروح ترد حرفياً في بقية الأناجيل مع ذكر شهود بأسمائهم. الصلب حدث ماديا إذا اتخذت الأناجيل صحافة تلك الأيام آمنت بالخلاص أم لم تؤمن. تقول الروايات عن موت يسوع الناصري متوافقة وصحيحة لثبوت النص الإنجيلي الحاضر الذي استشهد به أهل القرن الأول وأكّدوا الحدث قبل تدوين الأناجيل كاملة.

قُتل يسوع الناصري بتحريض من جماهير اليهود وحكم قضائي روماني أساسي لنقول بحدث آخر هو القيامة. هذه تكشف المعنى الرئيس لموت الناصري عند أتباعه. السؤال الباقي هو هل أن القيامة حدث لك أن تلمسه. بداءة جواب أن يسوع دُفن في مغارة أي فوقه سقفها وليس فوقه تراب وأن هذا القبر الواسع شوهد فارغاً صباح الأحد. حسب رواية متى قول الملاك لمريم المجدلية ومريم الأخرى اللتين جاءتا الى القبر: “هلمّا انظرا الموضع الذي كان الرب مضطجعاً فيه”. بعد هذا قال: “إنه قد قام”. يبدو إذًا ان إثباتاً  حسياً للقيامة قائم على عدم وجود جثمان في القبر. عند مرقس شاب جالس في القبر قال للنساء اللواتي أتين الى القبر ليطيّبن الجسد: “قد قام. ليس هو ههنا. هوذا الموضع الذي وضعوه فيه”. هنا أيضا تأكيد للفراغ.

لوقا يعبّر عن فراغ القبر بقوله إن بطرس كان هناك “ونظر الأكفان موضوعة وحدها” أي بلا جثمان. وهذه الشهادة هي إياها عند يوحنا.
لا تقول الأناجيل إن جسد يسوع تحرّك في اليوم الثالث وخرج ولكنها تقول كلها إنه ظهر لأتباعه. القيامة ليست حدثا ماديا، كالصلب، بمعنى أنها غير موصوفة ماديا ولكنها حدث استقرأناه أو تبيّناه من ظهورات المعلّم للتلاميذ ولمريم المجدلية في البستان. له تاليا حدثية أو حادثية أي واقع مادي آخر. كانت تحررا واقعيا من موت واقعي. نقبله من شهادة الشهود أي الرسل وصحبهم الذين قالوا إنهم رأوه.

■ ■ ■

نحن نفهم معنى صلبه من القيامة. الصلب حدث ولكنك في حاجة الى من يفسّره لك أي أن ينقلك من الواقعة الى السبب الذي من أجله كانت غاية الصليب وهو أن نحيا بالقيامة كما المسيح حيا. بتعبير آخر قصد القيامة هو نحن ولكن هذا لم يكن ليحصل إلا إذا دان المسيح الخطيئة بجسده كما يقول باسيليوس. ولهذا جاء عيد الفصح ليقول إننا بعد الحياة الجديدة التي نلناها بالمسيح لا ننتظر شيئا آخر فقد “حلّ ملء الزمان”، كما قال بولس وبتنا بالصليب أبناء الله وصارت الأرض سماء ودُعينا الى عرش المجد.

لم يترجم أحد معنى القيامة وقبولنا امتدادها كما فعل بولس إذ قال: “ألا تعلمون أننا حين تعمّدنا لنتّحد بالمسيح يسوع تعمّدنا لنموت معه فدفنّا معه بالمعمودية وشاركناه في موته حتى كما أقامه الآب بقدرته المجيدة من بين الأموات نسلك نحن أيضًا في حياة جديدة” (رومية 6: 3 و4) فإن لم نشأ أن نحيا حياة جديدة فكأن قيامة المخلّص لم تعنِنا، كأننا لم نأخذها وبقينا في خطايانا.

ما كانت القيامة لهذا الرسول العظيم حدثًا مضى يُغنى. صارت وجودًا في حياة المؤمنين، يجيئون من نورها، من دفئها، من ديمومتها. لذلك وضع القديس سيرافيم الروسي تحية يوميّة: “يا فرحي، المسيح قام”. هذا يستدعي في ذاكرتي القديس مرداريوس الذي كان نبيلاً رومانيا. سمع مرة فيما كان يتمشى في قصره في الطبقة العلوية العلوي أغاني صاعدة من الشارع. أطلّ من الشرفة، رأى جمهورًا يغني. سأل الخدم من هؤلاء ولماذا يغنون؟ قالوا هؤلاء قوم جاؤوا من الشرق مسوقون الى الإعدام ويرتّلون لاعتقادهم أنهم بموتهم يتحدون بمخلّصهم الذي يدعى يسوع. فقال مرداريوس في قلبه: ناس تجعلهم ديانتهم في هذا الفرح في طريقهم الى الموت يجب أن تكون ديانتهم صحيحة. فنزل وانضمّ أليهم. وعمّد بدمه. ونعيّد له من حيث إنه شهيد.

كلّ من التمع عندنا ببهاء روحي يكون قد قام من خطيئة كما قام يسوع. إذا نظرنا الى أيقونة في كنيستنا وفرحنا بها نكون في اللحظة آتين من القيامة وذكرها بدء الأسبوع لأنّ كل قداس فصح.

المسيحيون الأوائل كانوا يرتدون البياض اذا مات لهم عزيز لكونه انتقل الى القيامة اذ له عند موته حديث مع الآب كما يقول امبروسيوس أسقف ميلان.
غير أن الله لا يهتمّ فقط للأفراد. يريد القيامة أن تعمّ الكون ولذلك في اليوم الأخير الكون ضياء. تعليمنا أن قيامة يسوع دشّنت الكون الجديد وانها تنير المادة فيه في اليوم الأخير. إذا صحّ تعبيري لا تبقى المادة مادية ولكنها تستضيء بنور المسيح وتصير كلّ حركة كونية جزءًا من الفصح الأخير.

إذ ذاك، نفهم كلّ مدى ترتيلتنا: “المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور”. قول إن الموتى يقومون ونبقى عند هذا القول لا يروي غليلا. ينبغي إيضاح ذلك بقولنا إن الكون يصبح رداء المسيح والمسيح لا يرتدي إلا النور.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share