أعمال الرسل هو السِفْر المتعلّق ببدايـات الكنيسـة اي إنـه كتـاب عن عمل الروح القدس الذي انبثّ في الكـون بعد قيامـة الرب. في هذا المقطع المنشور اليـوم من هذا الكتاب حديث عن تذمّر أُولئك المسيحيين المُسمّين يـونـانيين على المسيحيين المُسمّيـن عبـرانييـن، والسبـب ان أرامـل اليـونـانييـن يُهمـَـلن في الخدمة اليـومية وهي تـوزيع الإعانات او الطعام لتلك النساء.
اليونانيون هم المسيحيون الناطقون باللغة اليونانية الذين استوطنوا اورشليم، وهُم كانـوا من اليهود الذين هجـروا فلسطين وسكنوا حيث يتكلم الناس باليونانية مثل الإسكندرية. بعـد اهتدائهم الى المسيحية أَحبّـوا لذكرى المسيـح أن يعيشـوا في أورشليم. والذين سمّاهم الكتـاب عبرانيين هم الذين من أصل يهوديّ واهتـدَوا وبقُـوا حيث كانوا اي في فلسطين.
ارتأى الرسل أن يتركوا »خدمة الموائد« لأنها تأخذ منـهم وقتـًا كثيـرًا والأولـويـة هي للبشارة. رأوا أنهم يستطيعون أن يُفوّضوا عددا من المؤمنين كانـوا سبعـة لينصرفـوا الى خـدمـة المـوائد. أَتـوا بهم بالانتخـاب، ورأوا أن مجـرد التـوزيـع المـادّي لا يكفـي اذ يجب أن يكـونـوا »ممتلئين من الروح القدس والحكمة«. أية خـدمـة في الكنيسة تحتـاج الى الفضيلـة، الى تعـاطـي الناس وعدم التسلّط عليهم والى سـلام في النفس والى الهـدوء، وفي تـوزيع المال او مواد الأطعمة تحتاج الى عـدل بين النـاس وإسقـاط الحـواجـز الـنفسيـة بيـن قـوميـن مختلفين او عنصرين هما اليونانيون والعبـرانيـون.
سمّاهم الكتاب الإلهي وصنّف أَحدَهم استفانوس بأنه ممتلئ من الإيمان والروح القدس، وسوف نقف في سِفْر الأعمال على فهمه اللاهوتيّ واستشهاده.
هل كان لهؤلاء السبعة رتبة او درجة؟ الرأي الغالب أنهم كانوا شمامسة أو أول الشمامسة في الكنيسة. القديس يوحنا الذهبيّ الفم لم يكن على هذا الرأي. ولكن المعروف في الكنيسة الأولى أن العمل الاجتماعي كان يتولاّه الشمامسة الى جانب خدمتهم الطقوسية. السبعة كانوا على شيء من التكريس إذ وُضعت الأيدي عليهم. ووضْعُ الأيدي عليهم علامة رسامة. كل تكريس من خدمة المرتّل والقارئ الى خدمة الأسقف تتطلب وضع الأيدي. السبعة اذًا لم يكونوا شمامسة بالمعنى المعروف اليوم، كان لهم مقام رسمي ولو مؤقتا. الترهّب الذي لا يعتبره معظم العلماء اليوم سرّا اعتبره بعض العلماء القدامى سرّا إذ يقوم بوضع الأيدي من قبل رئيس الدير او الأسقف. السرّ هو التخصيص لله بعلامة حسّية يرافقها نزول النعمة. وفي الكهنوت هو انتداب النعمة لخدمة معيّنة. هذا ليس امتيازا لأحد بل تفويض إلهيّ مجانيّ. بعد هذا توّا يقول لوقا (وهو كاتب أعمال الرسل): »وكانت كلمة الله تنمو (بالبشارة) وعدد التلاميذ يتكاثر في اورشليم«. وعندما يقول »وكان جمعٌ كثير من الكهنة يُطيعون الإيمان« يقصد كهنة الهيكل الذين انضمّوا الى الكنيسة.
ثم اهتدى جيل بعد جيل، وكانوا يجاهدون في الإيمان جهادًا كبيرًا.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان).
نشرة رَعيّـتي تصدرها أبرشيـة جبيـل والبتـرون للـروم الأرثـوذكـس