الكنيسة الارثوذكسية اليونانية تئن مع الدولة كهنتها يتضاءلون وأجورهم تُخَفَّض

mjoa Thursday May 17, 2012 65

بعدما كانت نعمة، تتحوّل الروابط الوثيقة ما بين الدولة اليونانية والكنيسة الأرثوذكسية اليونانية الى نقمة بالنسبة الى رجال الدين، في وقت تجهد الحكومة المثقلة بالديون لتمويل هذه المؤسسة القديمة التي يحتاج اليوم اليونانيون الفقراء الى عملها الخيري أكثر من كل وقت مضى.

تبحث اليوم الكنيسة الارثوذكسية عن مصادر تمويل جديدة لها، في وقت تتضور الدولة اليونانية جوعا الى المال، بعدما خفضت الانفاق في شكل كبير. ولكن، رغم روح المغامرة، كما في أحد الاديرة، الذي اراد ان يبني مصنعا لتوليد الطاقة الشمسية، فان عدد الكهنة يتضاءل. ومن بقوا، يعانون تخفيضات في الأجور، وتناضل الكنيسة لإبقاء مطابخ الحساء التي تديرها مفتوحة، في ظل ارتفاع البطالة وازدياد الفقر. 

“الصندوق فارغ والنظام ينهار”، يقول اغناطيوس ستافروبولوس، وهو كاهن تحديثي لديه صفحة خاصة على موقع LinkedIn. فبموجب معاهدة عمرها 60 عاما، وافقت الدولة على دفع رواتب الكهنة، في مقابل عدد كبير من ممتلكات الكنيسة، بما في ذلك الاراضي. وهذا يعني ان أكثر من 10 آلاف كاهن هم اليوم في قوائم رواتب موظفي الحكومة، ما يضع عبئا سنويا على موازنة البلاد المنهكة قدره 190 مليون أورو (250 مليون دولار).

غير انه، بموجب شروط خطة الانقاذ الدولية التي من شأنها انقاذ اليونان من الإفلاس، تعمل الحكومة على خفض الأجور، التي تصل الى الف اورو شهريا لكاهن رعية نموذجي. كذلك ستموّل أثينا اجر كاهن جديد واحد فقط، ليحل محل 10 تقاعدوا او ماتوا، ما سيتسبب بنقص الكهنة في الابرشيات البعيدة خلال فترة ركود عميق، في وقت تحتاج رعاياها الى المساعدة اكثر من كل وقت مضى. وفي المدن، قلّصت ايضا الكنيسة عملياتها الى درجة كبيرة، لتوفر المال لمطابخ حسائها وجمعياتها الخيرية، تلبية لحاجات “الجيش” المتنامي من المشردين والعاطلين عن العمل.

فبعكس دول أوروبا الشمالية، حيث يتضاءل تأثير الدين، تؤدي الكنيسة دورا رائدا في حياة اليونان. الكهنة، بلحى طويلة وعباءات سوداء فضفاضة، مشهد مألوف في شوارع البلاد، والعقيدة الأرثوذكسية معترف بها في الدستور كدين رسمي. وفي استطلاع للرأي، قال نحو 80% من المستطلعين انهم يؤمنون بالله، ما يجعل اليونانيين بين اقوى المسيحيين في أوروبا، رغم أن العديد منهم لا يرتاد الكنيسة الا نادرا.

وفي بلد، حيث الجمعيات الخيرية الخاصة والتطوع لا تزال في مهدها، يقع العبء الرئيسي في مساعدة المعوزين على أكتاف الكنيسة، وتختلط المواقف تجاهها، اذ غالبا ما توجه اليها انتقادات بأنها قريبة جدا من الدولة. ويعتقد العديد بأنها تملك ممتلكات كثيرة، وانها تدفع ضرائب قليلة، في وقت ترتفع فواتير ضرائب اليونانيين، في ظل تقشف موجب لإنقاذ البلاد.

غير ان الكنيسة ترفض مفاهيم مماثلة. “القول اننا نغرق في المال خرافة”، يقول الكاهن في أبرشية الكسندروبوليس الشمالية الأب ايرينايوس لافتسيس. فخلال العقود الماضية، حوّلت الكنيسة 96 في المئة من ممتلكاتها الى الدولة، على ما اعلنت اخيرا، ودفعت 12,6 مليون اورو ضرائب العام 2011، مشددة على أنها تلقى معاملة أي منظمة أخرى غير ربحية. ولتغطية النقص في الكهنة، سمح اساقفة لعلمانيين باقامة خدمات الصلوات، وهؤلاء المتطوعون لا يتلقون أي اجر من الدولة ولا يرتدون اثوابا مميزة. وعلى سبيل المثال، بدأ اخيرا ضابط متقاعد في الجيش اقامة القداس في افانتاس، يفيد لافتسيس. “الكهنة في القرى الصغيرة يتقاعدون او يموتون، وليس هناك أحد ليحل محلهم. ستكون لدينا مشكلة كبيرة”.

خفض النفقات بدأته بالفعل الكنيسة للتأقلم مع ارتفاع تكاليف عملها الاجتماعي. العام الماضي، أنفقت نحو 96 مليون اورو على جمعياتها الخيرية الـ 700. يقول اسقف سبارتا إفستاتيوس ان “الأزمة لا تؤثر في عمل مؤسساتنا الخيرية فحسب، انما ايضا تهدد وجودها”. ويشكو توقف صناديق المعاشات التقاعدية التابعة للدولة لمدة سنة تقريبا عن دفع مساهمات مالية الى المؤسسات الخيرية التي يديرها. 

من جهة اخرى، فان اعمال البناء أو الترميم في الكنائس، وفي بعضها جداريات وايقونات قديمة، غالبا ما تذهب ادراج الرياح، لعدم تمتع هذه الكنائس بتدفئة صحيحة خلال الشتاء القارس، بعد خفض نفقات الوقود. وينسحب ايضا عصر النفقات، حتى على استهلاك الشموع. ويفيد احد الباعة في اقليم اركاديا الجنوبي ان طلبية الكنيسة من الشموع انخفضت في موسم الفصح هذه السنة نحو 40%. وفي شباط الماضي، اوقفت الكنيسة، مدة وجيزة، بث محطتها الاذاعية التي تعاني ضائقة مالية.

وما يزيد الامور سوءاً انتشار الفقر بين اليونانيين. فالمؤمنون المتقشفون يخفضون بدورهم تبرعاتهم، في مرحلة بلغت اعمال تجارية نهايتها، ما يؤدي الى حرمان الكنيسة إيرادات إيجار والى “تضخم” صفوف الداخلين الى مطابخ حسائها. “الحاجات تتزايد، في حين تتراجع الموارد”، يقول الأب فاسيليوس هاتزافاس الذي يدير صندوق مطرانية أثينا لاغاثة الفقراء. العام الماضي، زادت حصص مطبخ الحساء في أثينا أكثر من الضعف لتصل، على ما يفيد، الى نحو 10 آلاف في اليوم، الى 3 آلاف وحدة غذائية شهرية مخصصة لعائلات، في وقت ارتفع عدد العاطلين عن العمل الى مستويات قياسية.

واذ تشد الحكومة اكثر على محفظتها، يتطلع رجال الدين في شكل متزايد إلى مصادر دخل بديلة، وتسعى الكنيسة الى التعاون مع البلديات والجيش والشركات الخاصة، وفقا لهاتزافاس، في ظل افتقارها الى السيولة وتقيد الكثير من عقاراتها بنزاعات على الملكية. وفي آذار الماضي، ارسلت للمرة الاولى، وفدا رسميا منها الى معرض للسياحة الدينية في روسيا. كذلك يخطط دير بنتيلي لبناء حديقة بالطاقة الشمسية للافادة من دعم منتجي هذه الطاقة المتجددة.

قد يكون بعض الكهنة ذهب بعيدا في حماسته لجمع أمواله الخاصة، على غرار افرايم، رئيس دير فاتوبيدي في جبل آثوس، والذي وضع مخططا قبل 6 اعوام، اقنع بموجبه رهبان ديره مسؤولين حكوميين بتبادل أراض زراعية رخيصة بعقارات رئيسية في اثينا. ومن جراء ذلك، اتهم افرايم بالوقوف وراء صفقة احتيالية يقول الادعاء انها ستكلف الدولة عشرات ملايين الاورو. ورغم قضية فاتوبيدي، فان الازمة تقدم الى الكنيسة فرصة لتقليص اعتمادها المالي على الدولة من خلال شركات أعمال مشروعة، على غرار ما قامت به كنائس اخرى غيرها قبل عقود. ويقول الاب ستافروبولوس “انها مسألة بقاء بالنسبة اليها”.

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share