أنا خائف.
هل عرفتني؟
… أنا ذاك المعلّق خلف عينيك.
أنا أنتَ المغلّق عليّ في قلبك.
أتذكرني؟
إلتقينا قبلاً
منذ مدّة طويلة،
في تلك الليلة في بيت لحم
وقتها أيضاً حملت عليّ السكّين.
أتذكر؟
وقتها أيضاً صرختُ باكياّ
ولكنّي لم أكن قد بلغت عامي الأوّل،
فلم أفهم ذاك الحريق في رقبتي.
الآن أنا أراك،
أنت أمامي،
وأنتَ أمامك،
ماذا ستفعل بكَ؟
هل ستقتلك؟
هل ستقتلك بقتلي؟
هل ستحوّلَكَ إلى ميت حيّ بإشعال رقبتي من جديد؟
ها أنت أمامي، وهي لحظة واحدة ليس أكثر، وأنا في هذه اللحظة لا تحملني ركبتاي، وتنفجر في دماغي ألف صرخة.
أمّي جانبي، وأختي، وأبي، وأنت أيضاً، أنت يا أخي الموغل في الوحشة والعزلة والمخدّرات.
ما هو مخدّرك: أصورة زعيم؟ أم دين؟ أم قبيلتك؟ أم الإله الذي تتمرّى به كلّ صباح؟
أنا الآن أمامك خارج عينيك، وخلفهما: أتذكر طفولتك التي خبّاتها خلف عينيك؟
ألا تريد أن تخرجها الآن؟ أتريد أن تدفنها أعمق مع جثّتي؟ أولهذا الحدّ كانت طفولة صحراء؟
أو إلى هذا الحدّ أنت تخافُك؟
تخافُك فيّ أنا الهزيل، أنا المرتجف والمنتظر الحريق الآتي،
إلى رقبتي.
لِمَ توقّفت عندما رأيتَ عينيّ؟ لِمَ رفّت عينينك؟ اصغ إلى رفّة عينيك، هي ما تبقّى لك من باب.
أديرُ وجهي لأرى حرائقَ على رقبة أختي،
ويلتمع نصل عينيك بينما يأكلني الخوف.
وأنت يا إلهي؟ أنت الذي كنتُ أراك يوميّاً في عينيّ أمّي، وفي ضحكة أختي التي تنتفض الآن،
أين أنت؟
لِمَ لَمْ تَعِدْني يوماً بالحماية، أنا الذي كم طلبت حمايتك؟
أين أنت؟ ألا ترى ماذا فعلت بنا حرّيتك؟ ألا ترى كم اغتربنا عن أنفسنا؟ ألا ترى هذا القاتل نفسه وأختي؟
ألا ترى حفلة الانتحار الجماعيّ هذه؟
أنت ترى، أنا أعلم. أمّي قالت أنّك ترى وأنّك تهتمّ. لم لا تهتمّ الآن؟
أمّي لا تكذب.
أين وجهك في كلّ هذا الوجع؟
يتقدّم الحريق البارد على رقبتي.
يتحوّل إلى حريق ساخن أحمر.
خفّت انتفاضة أختي الأخيرة، أمّي ملقاة بلا حراك على وجهها، ووالدي يمسك بثوب أختي وينام.
إنّها أجزاء الثواني الأخيرة لي هنا.
قل لي قبل أن أراك وجها لوجه. لم؟ لم لا أراك الآن؟ لم لا تفعل الآن؟ لم لا تعلن فشل مشروعك وننتهي. لم لا تعلن أيّ شيء وتوقف هذه الجريمة، جريمة أخوّتنا الضائعة، جريمة حرّيتنا الحارقة، جريمة وجوهنا المُخفِيَةِ موتها في الجبروت.
قل أيّ شيء، علّني أفهم شيئاً، أنا الصبي الذي بدأت عيناه تزوغ على وقع شتاء عينيه، وصراخ سؤاله عن حضن أمّه، ويدي أبيه.
أين وجهك من هذه الوجوه الملقاة؟ أين هو مِن وجه هذا الذي قتل نفسه بقتلي؟ هذا الميت الحيّ الذي يخاف، هذا الذي يُقَتِّل بطفولته أيّما تقتيل كي ينسى، كي ينسى أنّه إنسان، أنّه حرّ.
أين أنت من هذا الذي يقتل كي يصير آلة، فلا ينجح؛ فيقتل أكثر؛ فيموت أكثر؛ ويموت ويموت ويصرخ ويصرخ ويصرخ وينتحر وينتحر وينتحر،
ويفشل ويفشل؟
أين أنت؟
أين وجهك؟
إنّه الجزء الأخير من الثانية الأخيرة.
ها أنا أرى جسدي إلى جانب أمّي وأختي وأبي، جسدي الصغير الأحمر.
ها أنا أرى القاتل يرتجف أمام أجسادنا، يصرخ كي يصمّ صوتاً خلف عينيه، ينتقم من حياة لم يحيَها بقتلها، قاتل ضائع، يعذّبه أنّه لا يتمكّن أن لا يكون إنساناً،
وها أنا أرى…غريباً!
غريبٌ…
من أين أتى ذاك الذبيح الغريب؟ ليس هو من عائلتنا.
ولم هو ينتحب؟
وما ذاك الضوء المجروح في عينيه؟
ولم يطمئنني ذاك الضوء؟
من هو؟ ولَمَ هو يجمع بين يديه المثقوبتين، يدي، ويد أمّي، ويد أختي، ويد أبي؟
يا أنت الغريب: متى نقوم؟
قل لي.