موارنة وسريان أرثوذكس يحيون لغة المسيح في الأراضي المقدسة

mjoa Thursday June 7, 2012 144

في بلدتين في الأراضي المقدسة تعيش اقليات مسيحية، وتشهد الآرامية انبعاثًا من خلال نشرها بين الاجيال المسيحية الصاعدة، في اطار جهود طموحة لإحياء تلك اللغة، التي كان يسوع يتكلم بها، وذلك بعد مضي قرون على اختفائها من الشرق الأوسط.

التركيز الجديد على اللغة، التي كانت سائدة في المنطقة قبل الفي عام، يتم بمساعدة صغيرة من التكنولوجيا الحديثة: قناة تلفزيونية ناطقة بالآرامية، تبث الى كل الاماكن من اسوج، حيث ابقى مجتمع نشيط من المهاجرين تلك اللغة المحكية القديمة على قيد الحياة.

في قرية بيت جالا الفلسطينية، يحاول الجيل الأكبر سنا من المتكلمين بالآرامية مشاركة أحفادهم في تلك اللغة. البلدة تقع قرب بيت لحم، حيث يقول العهد الجديد ان يسوع المسيح وُلد. وفي قرية الجش العربية- الإسرائيلية، الواقعة في تلال الجليل حيث عاش المسيح وبشّر، يتم ارشاد طلاب الابتدائي بالآرامية، وغالبية هؤلاء من ابناء الطائفة المارونية المسيحية.

الموارنة هناك لا يزالون يحيون القداس بالآرامية، لكن قلة منهم تفهم الصلوات. تقول كارلا حداد، وهي فتاة في العاشرة من بنات الجش: “نريد أن نتكلم اللغة التي تكلم بها يسوع”. كثيرا ما لوحت بذراعيها، فيما كانت تجيب بالآرامية عن أسئلة معلمتها منى عيسى خلال ساعة الدرس. وتتدارك: “اعتدنا التكلم بها من زمن طويل”، وذلك في اشارة الى أجدادها.

خلال الدرس، ردد عدد من الاولاد صلاة مسيحية بالآرامية. لقد تعلموا كلمات، منها “الفيل”، و”كيف حالك؟”، و”الجبل”. وبعضهم كان يرسم بعناية زوايا حادة لحروف آرامية، بينما عبث آخرون بمحافظ اقلامهم التي حملت صوراً لفرق كرة قدم شعبية.

اللهجة التي يتم تدريسها في الجش وبيت جالا هي السريانية التي كان يتكلم بها أجداد ابناء البلدتين المسيحيون. وهي تشبه لهجة الجليل، التي ربما استخدمها يسوع المسيح، وفقا للخبير في الآرامية في الجامعة العبرية في القدس ستيفن فاسبرغ. ويقول: “على الارجح، كانوا يفهمون على بعضهم البعض”.

في الجش، هناك 80 ولدا في الصف الأول، ضمن دراسة للآرامية تمتد على خمسة اعوام، كمادة طوعية، ولساعتين في الأسبوع. وقد قدمت وزارة التربية الاسرائيلية أموالا لتأمين الصفوف حتى الصف الثامن، تفيد مديرة المدرسة ريم خاطيب- زعابي.

قبل اعوام عدة، جيّش العديد من سكان الجش جهودهم لتأمين دراسات في الآرامية، على ما تقول. غير ان الفكرة واجهتها مقاومة. فمسلمو البلدة ابدوا قلقا من ان يكون الامر تغطية لمحاولة جذب أولادهم إلى المسيحية. كذلك اعترض بعض المسيحيين قائلين ان التركيز على لغة الجدود غايته تجريدهم من هويتهم العربية. الامر اذًا حساس لكثير من العرب المسلمين والمسيحيين في إسرائيل، الذين يفضلون التعريف بهم بواسطة انتمائهم العرقي، وليس بواسطة دينهم.

في النهاية، تفوقت عليهم خاطيب- زعابي، وهي مسلمة علمانية من خارج البلدة. “هذا هو تراثنا الجماعي والثقافي، وعلينا أن نحتفل به وندرسه”، تقول. وهكذا اصبحت مدرسة الجش الابتدائية المدرسة العامة الإسرائيلية الوحيدة لتدريس الآرامية، ووفقا لوزارة التربية. تلك الجهود تتجسد ايضا في مدرسة مار افرام- بيت جالا التي تديرها الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، وتقع على بضعة أميال فقط من ساحة كنيسة المهد في بيت لحم. هناك، علّم كهنة اللغة لـ 320 طالبا خلال الاعوام الخمسة الماضية.
نحو 360 عائلة في المنطقة تنحدر من لاجئين ناطقين بالآرامية فروا العام 1920 من منطقة طور عبدين التي تعرف اليوم بتركيا. ويقول الكاهن بطرس نعمة ان الآرامية لا تزال محكية بين كبار السن، غير انها اختفت بين الأجيال الشابة، مشيرا الى ان الامل هو ان يساهم تعليم اللغة في مساعدة الأولاد في تقدير جذورهم.  ومع ان كلا من السريان الأرثوذكس والموارنة يستخدمون الآرامية في الخدمات الليتروجية، الا ان الاختلاف بين كنيستيهم واضح. الكنيسة المارونية هي الاكثر انتشارا في  لبنان المجاور، غير ان مؤمنيها في الاراضي المقدسة لا يزيدون عن بضعة آلاف من اصل 210 آلاف مسيحيي في الأراضي المقدسة. وبالمثل، فإن عدد السريان الأرثوذكس لا يتجاوز الالفين في الأراضي المقدسة، يفيد نعمة. وفي العموم، يعيش نحو 150 الف مسيحي في إسرائيل، ونحو 60 الفا آخرين في الضفة الغربية.

ايا يكن الأمر، فان المدارس التابعة للكنيستين وجدت الإلهام والدعم في مكان غير متوقع: اسوج. هناك، سعت المجتمعات الناطقة بالآرامية والمتحدرة من الشرق الأوسط الى ابقاء لغتها قيد الحياة، فنشرت صحيفة “Bahro Suryoyo”، اضافة الى كتيبات وكتب للاولاد، منها “الأمير الصغير”. وهي تنفق على محطة فضائية اسمها “Soryoyosat”، تقول رئيسة الاتحاد السرياني الآرامي في اسوج ارزو آلن. كذلك، هناك فريق كرة قدم آرامي، “Syrianska FC”، ضمن الفرق الاسوجية الاولى، وهو من مدينة سودرتاليا. ويقدر مسؤولون عدد السكان الناطقين بالآرامية في أي مكان بين 30 الفا إلى 80 الف شخص.

بالنسبة الى كثر من الموارنة والسريان الأرثوذكس في الأراضي المقدسة، كانت الفضائية المرة الأولى التي يسمعون فيها لغتهم خارج الكنيسة من عقود. الاستماع اليها في سياق حديث اوحى لهم محاولة إحيائها بين مجتمعاتهم المحلية. “عندما تسمعها، يمكنك ان تتكلم بها”، يقول عيسى، وهو مرب.

اللهجات الآرامية كانت اللغات العامية السائدة في المنطقة من 2500 عام حتى القرن السادس، يوم اصبحت العربية، لغة الغزاة المسلمين الآتين من شبه الجزيرة العربية، مهيمنة، وفقا لفاسبرغ. غير ان “الجزر اللغوية” صمدت: الموارنة تشبثوا بالليتورجيا الآرامية، كذلك فعلت الكنيسة السريانية الأرثوذكسية. وتكلم ايضا اليهود الأكراد عند نهر جزيرة لهجة آرامية تسمى “Targum”، قبل ان يهربوا الى اسرائيل العام 1950. ويشير فاسبرغ الى ان ثلاث بلدات مسيحية في سوريا لا يزال ابناؤها يتكلمون احدى اللهجات الآرامية.

من خلال فرص عدة للتمرين على تلك اللغة القديمة، امكن المعلمون في الجش ضبط التوقعات. فهم يأملون في احياء فهم معين للغة على الاقل. غير انه يمكن رؤية التحديات الكبيرة في مدرسة الجش، حيث يضم الصف الرابع للآرامية نحو دزينة من الطلاب فقط. كان عدد الطلاب اكثر بمرتين قبل فتح صف لتعليم الفنون في الوقت نفسه الذي يتم تعليم الآرامية، مما ادى الى خسارة نصفهم… لمصلحة الفن.

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share