المطران الياس قربان في ذكراه

mjoa Wednesday July 4, 2012 161

تحلّ الذكرى الثانية لانتقاله إلى قرب وجه يسوع. هو الأسقف الذي انتدبه الله لرعاية هذه الأبرشية قرابة خمسة عقود من الزمن. والمدّة، في رؤيتنا، تزيد عمّا يكفي ليبقى ظلّه ووجهه حاضرين في كلّ كنيسة من كنائس أبرشيتنا وقلبِ وضميرِ من عرَفه وقاربَه من أبنائها.

 

 

هذا الحضور الراسخ ليس منبعه ما عرفناه من سمات في شخصه وحسب بل، أساساً، تعليم كتابنا وكنيستنا عن ارتباط الأسقف المنظور بالأسقف غير المنظور يسوع المسيح. فنقرأ في رسالة القديس بطرس الأولى: “لأنّكم كنتم كخراف ضالّة لكنّكم رجعتم الآن الى راعي نفوسكم وأسقفها”، كما نقرأ في رسالة القديس إغناطيوس الأنطاكي إلى أهل مغنيسية: “إذا خدعنا الأسقف فإننا نكذب على الأسقف غير المنظور”. هذا لا يعني أن كمال الصورة الالهية حاضرٌ في شخص الأسقف أياً كان، لكنّ النقص لا يحلّ هذا الارتباط ولا يُغيّب نسائم الجمال الالهّي التي تلفحنا، كأبناء، كلّما أحاطنا الأسقف وأحطناه بالمحبّة والقربى والصلاة. هذا شرطه فقط، دون أن نعفي أنفسنا من هذا الشرط، ألا يسود العيب والشرّ حياة الأسقف، ويغيب عنه، وعنّا، أن الأساقفة بشرٌ يرعون بشراً. ولعلّ السمة الأهمّ التي رافقت حياة المطران الياس قربان هي وعيه لبشريته وضعفها وبشرية من يرعى وضعفها. هذا الوعي هو ما أقامه في وداعة شهد له بها الكلّ وبرزت، منها، في حياته جمالات لا يُستهان بها.

من هذه الجمالات أنّه كان رفيقَ الأطفال. حضر معهم، وبينهم، في مناسباتهم أينما شاءوا ومتى. لم ينظر إليهم بعيون كبار الناس بل بعيني الربّ، فقدّر تعبهم وسعيهم بغضّ النظر عن أهميّة ما يُنتجونه وقيمته لأن الأهميّة والقيمة الكُبرى بقيت، في نظره، لما خصّهم به الله من ملكوته. حضورهم المُنظّم، في رحاب الأبرشية، كان جزءاً من حيوية كنسية شُغف بها وتطلّع دائماً إليها. هي حيويةٌ شاءها من خلال مبادرات العمل الشبابيّ وتعدّد الهيئات والجمعيات والمؤسّسات وكثرة أنشطتها حيث لم يُطفئ المطران الياس فتيلاً بل أشعرَ كلّ من قاد وبادر وسعى برضاه وثقته المُشجِّعَين.

    قد يكون هذا الموقف هو، حقاً، وليد قناعته العميقة بصوابية كلّ عمل ومُبادرة، وقد يكون وليد نهج أبويّ، أفرزته وداعته، يتعامى عن الجزء الفارغ من الكأس ويفرح بمقدار ما مُلئ به قلّ هذا المقدار أم كثر. وإن يبقَ لله وحده، فاحص القلوب والكلى، أن يحكم في دوافع الموقف وصحّته، فإنّه يبقى ثابتاً أن هذا الأسقف كان صائناً لحرية أبناء الله، نمّى فسحتها حوله ودفع بمن يقتنيها من الأبناء وساماً على صدره لأن يُكمل، بنفسه، طريق استحقاقه لوسام الخلاص. فمن الجمالات الأهمّ أن تكون أباً للحريّة، في المسيح، وتَقبَل رُشد الأبناء.

إضافةً، وكي لا نناقض الحقّ، فإن المطران الياس قربان لم تُحصر سائر خصائصه بالأسقف الذي خصّه الله بأن يُسبّحه بصوت عظيم، وليس بالقائد الذي اكتفى بتشجيع الجوقات وتعليم الترانيم والموسيقى ومدِّهما في رعايا الأبرشية، وليس، أيضاً، بالأسقف الذي شجّع مؤسّساته على أن تخدم ما أمكنها من الفقراء. إنّه، إلى ذلك، تحلّى بكونه رجل الموقف الكنسيّ حيث تقتضي الحاجة في الأزمنة الصعبة، وأسقف الحضور، بالموقف الحقّ، في الشأن المُجتمعي العام. فكان من أوائل السادة المطارنة الذين تجاوبوا مع محاولة تطبيق قانون المجالس الرعائية، حسب نصّه وروحه، غداة صدوره رغم ما حملّته هذه المُحاولة من متاعب ومواجهات مع شريحة من أبناء الأبرشية، وممّن دافعوا عن الحقّ في اجتماعات المجمع المقدّس في أكثر من محطّة كنسية صعبة ومفصل. وبرز، كذلك، أسقفاً عكست إطلالته على المُسلمين في أبرشيته إطلالة محبة المسيح عليهم وخيره لهم، ولازمته مواقف رفض الظلم والعنف والدفاع عن قضيّة فلسطين وقضيّة العراق وسائر شؤون العدالة الانسانية في الأرض.

في ذكرى انتقاله الثانية شئنا استحضار ما تراءى لنا من خصائص في أسقف سبق أن رعى مسيرتنا في المسيح، ونحن اليوم شهود للخطوات الكبيرة التي يتمّمها الربّ في أبرشيتنا والبركات والرؤى التي يسكبها عليها في ظلّ عهد أسقفيّ جديد شاءه بإمامة راعينا المتروبوليت أفرام. فاستذكار نعم الله، التي تراءت لنا في القادة المنتقلين، لا نقصد به الوفاء وشهادة الحقّ وحسب بل نرمي إليه بمثابة صلاة حيّة كيّ يُكثر الله من نعمه على قادة كنيستنا ويُعطينا أن نشهد، يوماً، كنيسةً أنطاكيّةً أرثوذكسيّةً محميةً بأساقفة كاملين.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share