كان والد القدّيس آسيا، بنثر، معروفاً، في قومه، بالشرف والثروة والفضيلة . وكانت أمه، أبيفانية، تضاهي أباه في السيرة الصالحة وتزيد. ولكنهما كانا محرومين من الأولاد، فلم يتركا كنيسة إلا زاراها، سائلين رحمة ربهما، مبتهلين إليه في أن ينعم عليهما بثمرة البطن، لو أمكن . فلما مضى على زواجهما ثلاث وخمسون سنة، زار أبيفانية ملاكاً في الحلم وقال لها : تقوّي أيتها المرأة فإن الله قد أعطاك ابناً يذاع ذكره في البلدان التي تحت الشمس.. وبعد أن وجدت حبلى ولدت ابناً وسمته كما قال لها الملاك : أسيا (الذي ترجمته في اللغة اليونانية الطبيب ) تأدب أسيا بالكتب الطاهرة وتمرس بالنحو والمنطق والفلسفة . نما في النعمة والقامة. كان ذهنه مستنيراً. لذلك ملك من العلوم قدراً كبيراً في وقت قصير . وزوجه والده ابنة وزير ولكن قبل أن تكتمل أفراح عرسه ترك كل شيء وخرج طالباً وجه ربه . صادف في الطريق فقيراً فتبادل وإياه الأثواب . وخرج مُجِدَّاً في المسير حتى انتهى إلى دير يرأسه كاهن اسمه توما فأقام عنده سبعاً من السنين راهباً مجاهدً ا. بعد ذلك خرج إلى طور سيناء فجاء إلى رجل خليل لله كان يغتذي “في براري الطور مع وحوشه التي كانت تخدمه متمتعاً نهاراً ولي ً لا بسعة النورالإلهي ” فاقتبله. أقام أسيا عند هذا الشيخ الجليل زماناً طويلاً في طاعة كاملة حتى فارقه إلى ربه. ولما دفن أسيا معلمه في كهف في الجوار لازم الطور ثلاث سنين إلى أن وقف به ملا ك الله وقال له :”السلام عليك … ربنا يريدك أن تخرج من هذا المكان ليظهر بك صنوف رحمته…” فخرج لا يلوي على شيء، وصار كتائه في البرية، مسلماً أمره لربه، واثقاً بتدبيره . واستاقته نعمة الله إلى ضيعة بقرب إنطاكية ، استكان أسيا هناك زماناً فكان يناجي ربه آناء الليل وأطراف النهار واهتدى إليه القوم . وكان كل من يأتيه عليلاً أو محتاجاً يعود إلى بيته معافى متعزياً مستجاباً. بين عجائبه أشفية من العمى والعقم ووجع الرأس الحاد وشتى صنوف الأسقام وطرد الأرواح الخبيثة وتخليص الناس من أذى الحيوانات المفترسة وإقامة الميت وإبرا ء ابن ملك الفرس، وتحرير ابنة الإمبراطور البيزنطي ثيودوسيوس الكبير من ربقة روح خبيث تسلط عليها . ولما دنت ساعة رقاده، أرسل إليه الرب الإله ملاكاً قال له: “هلم فإن إله البرايا كلها وسيدها … يدعوك إليه لتستمتع بالخيرات الدهرية التي أعدها لك ولجميع الذين يحبونه”.