سلك القدّيس بوليكاربوس منذ دخوله المغاور في كييف في جهادات بطوليّة. كان هناك في عهدة قريب له هو القدّيس سمعان المعيّد له في 10 أيار. أثمر ثمارًا روحيّة يانعة ليس بعد ذلك بفترة طويلة. لمّا تسقّف سمعان على فلاديمير أخذ بوليكاربوس معه وتابع تنشيئته في العلم الروحيّ، بالأقوال والأفعال معًا. أطلعه على أخبار آباء كييف القدّيسين الذين سبقوه وكذا جهاداتهم وكيف أرضوا الله. وإذ رغب بوليكاربوس في تعميم الفائدة، من هذا الميراث، على كلّ العطاش إلى الخلاص، عمد إلى تدوين الأخبار التي نقلها له سمعان، ثم أرسلها إلى رئيس دير المغاور أكندينوس.
عاد بوليكاربوس إلى الدير وسعى رغم البعاد عن أبيه الروحيّ إلى السلوك وكأنّه حاضر لديه. فلمّا رقد أكندينوس اختارته الشركة بالإجماع عليها. أنفق بوليكاربوس قواه في حفظ التقليد المسلّم من القدّيس ثيودوسيوس بأمانة. كان للإخوّة مرشدًا قديرًا نشيطًا في اقتيادهم على درب الخلاص. انتشرت شهرة اللافرا في كلّ مكان وكثر الذين يتهافتون على طلب مشورة القدّيس في شأن سلوكهم في حياة الفضيلة. من بين هؤلاء كان بعض أعيان القصر وأقوام من كلّ المشارب. بعض هؤلاء قرّر أن يتخلّى عن كلّ شيء ليحيا في الدير في عهدته. الأمير الكبير روتيسلاف Mstislavovitch، بعدما اقتبل نصائح القدّيس بوليكاربوس، أخذ يشترك في القدسات كلّ أسبوع ودموع التوبة على خطاياه تملأ وجهه . وهو نفسه طلب من القدّيس عدّة مرّات أن يقبله كراهب، جواب القدّيس كان: “الله يأمرك، أيّها الأمير التقي، بأن تبقى في الحال التي أنت فيها، لتحكم بالعدل وتقف أمام الصليب غير متزعزع”.
بعد وفاة القدّيس بوليكاربوس التي حصلت في 24 تموز في العام 1182م بقيت اللافرا طويلاً من دون رئيس، لا لأنّه لم يكن فيها قدّيسون يسوسون الإخوة بل لأنّ هؤلاء الآباء المغبوطين كانوا متّضعين لدرجة أنّه لم يشأ أحد منهم أن يقبل أن يكون رئيسًا. هذا الوضع سبّب اضطرابًا في الشركة. وقد صلّى الإخوة مجتمعين وطلبوا من القدّيس بوليكاربوس أن يعينهم فسمّى لهم كاهنًا مترمّلاً من خارج اللافرا اسمه باسيليوس وقال لهم أن يجعلوه رئيسًا عليهم. فعمل الإخوة بما أشار به القدّيس بوليكاربوس عليهم. واستبان، في الوقت المناسب، أنّ باسيليوس هذا كان رجل فضيلة وساس الإخوة بحكمة كبيرة إلى أن رقد رقود الأبرار.