إلى العلاّمة جورج خضر… أيها المتبحّر في الأغوار

mjoa Saturday July 28, 2012 128

تدخل التسعين يا مودّع الثمانينات، تجتاز وقرها بلا قلق من الآتي ولا رهبة. يستتب لك الاطمئنان الى الوجه الالهي الذي طالما احتضن، بالمحبة العلوية، شبابك المستقيم فالكهولة فالشيخوخة، وسيبقى الوجه البهيّ حاضناً شهود الفصح، المعمّدة روحهم بانبجاس الحياة من الحياة، اذ لا موت يعروهم من بعد أن بزغ الفجر القيامي.

صاحب السيادة، العابر من البسائط الى المركّبات، لم يعاينك جيلنا في مسرى الطفولة الطرابلسي المحكي كتابا، بقدر ما عاينك مطرانا مشرقيا على جبل لبنان، من الحدث الى برمانا، بل بمقدار ما طالعك ناهلا ومستزيدا من سنابلك الملأى، في “فلسطين المستعادة” و”مواقف احد” و”الرجاء في زمن الحرب” و”الحياة الجديدة” و”هذا العالم لا يكفي”، مرورا بالاسفار البيّنات، المجموعة من افتتاحيات “النهار” الملتمعة ببوارق الحبر الذهب والحرف اللهب.


لم تلتقط دخيلاً، بل غُصتَ على اللآلي. لم ترضك انصاف المعارف فطلبت فيها مشقة الاصالات في رحلة البحث عن الحقيقة. وجاء خصبك الروحي معادلا معياريا لفضول معرفي يتبحّر في الاغوار ويهزأ بالضحالات.

من جديدك ان العاطفة تسقط عند نتوء الأنا، وان للإنسان قلبا رحبا بالحق او هو ليس بشيء… لكن من قديمك بعد انتهاء الحرب الاهلية في مطلع التسعينات، وقد هالك تشرذم الشهداء: “في وسط الانبعاث اللبناني يستطيع المسيحيون ان يعودوا ليقولوا لا لليهودية ونعم للمسيح الحي الفعال الذي يوحدهم بالحب والرقي والصلابة مع مسلمي لبنان. تلك هي المسألة وذلك كان الرجاء”.

ثمة قراء طالعوك ولم يفهموك، او على الاقل لم تستهوهم فذاذة اسلوبك وامداء فكرك، بمن فيه متقدمون في السلك الديني المتشعب طوائف. لكن نخبا صفية ادمنت اشراقاتك فتلهفت الى خمرك المتفجرة من دنّ كلماتك، واذا هي ابدا نشوى قطوفك المنثورة على العباد من المعبود، بالقراءة الجادة والصدق والالهام. ألست القائل ان الفرق بين الناس ليس في الفهم كما قد يُظن ولكن في الاخلاص؟

كثرة أذهلتها ثقافتك. لكن قلة وعت دورك الوحدوي على المستوى العام، وكم كنت صمام امان ضد الطائفية والقبلية والعصبيات البدائية، مع ان موضوعيتك التاريخية ومحمولك الوطني شاهدان فصيحان، بل سيدا احكام. من هؤلاء القليلين اذكر المغفور له الشيخ الدكتور صبحي الصالح، والفريق النخبوي الذي طالما كنت – ولو افراديا – على تماس وثيق بفكره وتطلعاته كالدكتور عبدالله سعاده والدكتور ايلي سالم وعميد “النهار” غسان تويني.

يا أثيلا في الفلسفة واللاهوت والآداب وعلم الانسان،
يا اميرا مشرقيا تاجه المحبة،المنسكبة منذ عشرين قرنا على اديم بيت لحم والجليل وبحيرة طبريا ونهر الاردن وجبل الزيتون القدسي المتصل بسماء القيامة. انها المحبة التي تجلت منذ الفي عام في فلسطين، لكنها كانت مرصودة من قبل انشاء العالم، وتبقى مفتوحة على المدى الانساني اللامحدود.
ايها المستضيء بالنور الالهي الساطع، الغارف من الينابيع روائع.

ستبقى تأججاتك الروحية معينا حضاريا لا ينضب، وشواهقك الفكرية واحات يلاذ بها من الصحراء،، فمبارك عمرك المديد المأخوذ بالاعماق، ولسنين عديدة يا سيد.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share