لا تستطيع أن تقول أنا ما لم تقل أنت لأنك محدد بالمواجهة وهي أن يكون الوجه الى الوجه. يقابله فيتحدد الاثنان. أنت متكون بالصلة. وإن كنت أنانيا بشكل جنوني ترى الآخر مرآة لك. وان لم يكن عندك إيثار مرضي لنفسك فأنت متقبل الاخر بمقدار ان لم تكن حاضنه كثيرا فمن داخلك ينشئك وينشىء نفسه بك واذا استقبلك في الحقيقة تصعدان معا الى فوق. اذ ذاك يكون الله منشئكما وكل منكما تشكله رؤية الله فترى الله في الاخر، او شيئاً الهياً فيه.
انت لا تستطيع معاملتك لله ما لم تقرب الآخر اليه كما تقدم القربان اي تشده الى الرب لتستلمه منه واذ بك وبه كالنهار اذا تجلى (سورة الليل، 2).
الآخرون ليسوا جماعة معتمة. يستضيء فيها كل شخص اذا عرف الاخرين افرادا متداخلين بالحب او اقله بنباهة النفس كما يقول الارثوذكسيون في قداسهم بحيث يكون الواحد في قلب الآخر وينفرد هكذا عن الاكتظاظ الجماعي ليرى كلا من الجماعة فريدا. هذا هو الفارق بين مجموعة بشرية وقطيع غنم. القطيع تعد كل حيوان فيه وتجمع الواحد الى الاخر وتكون قضية حساب ولا يتميز الواحد عن الآخر ولا بد من دمغة تضعها على جلده اذا شئت التمييز. اما البشر فكل منهم متميز ليس مثله آخر. سبعة مليارات في انسانية اليوم لا يتطابق احدهم والآخر. الفرادة هي توصيف اناس والله يراهم متمايزين ليس فقط في وجوههم ولكن في قلوبهم ايضا. ليس عند الله قوالب للنفوس ولا تذوب الواحدة بالاخرى لكي تؤلف نفسا واحدة.
هذه بدعة كفرتها الكنيسة لكي تحافظ على الشخص الوحيد. في الملكوت نظل متقابلين، محبين، وغير منصهرين، أحدنا بالآخر لأن المحبة تثبت الآخر ولا تذيبه.
استقلالك عن الآخر لا نفور فيه. انه يدعم الذات. الذات الاخرى، ليست النفوس جثثا متراكمة كالاجساد. هي دائما متواجهة بسبب من النعمة المنسكبة على كل واحدة منها. الله جامعها بما يحييها بحنانه ولا يغض الطرف عن واحدة منها لئلا تموت.
العقول مختلفة ومتخالفة احيانا كثيرة لان في العقل ارباكا وارتباكا ولانه يتاذى كثيرا بالعقول الاخرى التي تتنكر له. الانسانية تقوم على تنوعات متضاربة او متعاكسة ويضعف العقل ومطلقه البدئي لم يبق وهذا يفسره تباين العقول.
لكن الانسان ليس آخر بسبب من عقله. في تركيبته الشاملة هو غيرك وقد يكون قريبك ولو اختلفتما في الرأي ولا تبغضه لكونه مختلفا عنك. العقول الصغيرة تفعل هذا. وعند العقلاء ليس الفكر سببا للتصادم الوجداني او الكياني اذ الكيان في عمقه هو القلب. كذا في فكر الكتاب المقدس في عهديه وكذا عند آبائنا. انت تلحظ ان الذات المقابلة لك هي الاخر لانها تختلف عنك بمقدار المحبة. مع ذلك تضم ذاتك الذات الاخرى اذا كنت مجاني العطاء ولم تحتكر الاخرين في نفسك. “فذكر انما انت مذكر. لست انت عليهم بمسيطر” ( سورة الغاشية، 21 و22).
هذا هو معنى الحوار الذي يتأسس على ان الآخر موجود لانه ناطق وانه يحبك عند الحاجة ولكنه يقر بك وتقر انت به حتى يتجلى النور من المقابلة. الفكر ليس إملاء. انه تلاق. الاخر ينفع الحقيقة التي انت حاملها وهي تبتكر به. الحقيقة تنكشف من احتكاك الوجدانات بمعرفة وبغير معرفة ومحبة. وكلاهما يساعد على تواصل الحقائق بعضها ببعض.
المحبة تفرض ايمانك بأن الله ائتمنك على اشياء من عنده وائتمن محاورك على أشياء من عنده ايضا وقد تكون هذه جميعا متقاربة. المحبة هي الجسر بين عمق وعمق ولو تباينت الاراء. وهذا التباين لا يؤتي بعداء ان كنا متعقلين وعلى صفاء كبير ليقينك بان الانسان الاخر حبيب الله مثلك وقد يكون جامعا بين قلب كبير وعقل محدود. وانت ضامه اليك بالدعاء وواضعه في رحاب الله التي نزلت عليك.
هنا يأتي ذكر من سمي عدوا. “سمعتم انه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك. وأما انا فاقول لكم احبوا اعداءكم. باركوا لاعنيكم. احسنوا الى مبغضيكم وصلوا لاجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم. لكي تكونوا ابناء ابيكم الذي في السموات” ( متى 5: 43-45).
عند الكثيرين مشكلة مع حب الاعداء لكونهم مرتكزين على الأنا المنغلقة التي ليس فيها مجال للآخر، لانها مالكة الوجود وطاردة الخصوم من الوجود وتاليا مميتهم عقليا. فاذا ذهبوا عن رؤيتي يكونون ذهبوا عن العالم كله.
امام هذا الشك بالوصية يبدو الغفران مبنيا على قول يسوع الناصري: “لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات”. وانت لا تقدر ان تقبل عدوك كقبولك اخاك ما لم تعترف انه ابن ذاك الذي في السماوات وان مكانته عند الرب بغفران هذا له كمكانتك انت الذي تعيش ايضا بالغفران. من كان ابنا لله هو بالضرورة أخ لك. اذ ذاك، لا ترى عداوته وتراه في دائرة السماحة الالهية كما أنت فيها بسبب من مسامحتك.
العدو صديق عندك بالحب وتغطي وجهه بالنور الالهي، الاخر ليس فقط من أحبك ولكنه ايضا من أبغضك. كل منهما اخ لك اذ الاخوة نازلة من السماء مهما شعر ذاك ومهما شعرت انت. انت واياه في عائلة الآب وفيها يزول كل انفعال وتصبح النفس الى النفس لان كل واحدة منها مرآة ذلك الاله المحب البشر.