الله والأعمار

mjoa Saturday August 18, 2012 191

خطايا شبابي وجهلي لا تذكر (مزمور 24: 7) وكأن داود بهذه الكلمات يرى تلازماً بين المعصية وسن الشباب وكأنه كذلك ينظر الى الكهولة أو ما بعدها على انها مرحلة توبة أخيرة. في الحقيقة اننا في الكنيسة الأرثوذكسية عندنا مصطلح الهوى الذي هو مصدر الزلات التي نرتكبها كما عندنا الحرب الروحية الشرسة على الأهواء بغية التطهر وفي سبيل إدراكه وضع آباؤنا النساك قواعد صارمة بحيث انك لا تتنقى من سقوطه ما لم تضرب مصدرها وهو الهوى الذي يتضمن كل أسباب السقوط في الجسد أو في العقل كالغضب والبغض والكسل والشراهة وشهوة الجسد. ضدها الفضائل التي قمّتها المحبة.

إزاء كل شهوة تقانة كفاح روحي يستمر حتى استئصال الأهواء من جذورها. غير ان ما يُجمع عليه آباؤنا ان السبب الحقيقي لضرب كل الأهواء هو ان يتملكك الله.

فالقصة عندنا ليست ترويض الإرادة والرؤية العقلية لفساد الخطيئة. القصة كلها ان ترتمي في أحضان الرب الذي يحرق كل هشيم فيك ويضيء داخلك بحضوره الأخاذ. القضية ان تقيم في الأعماق الروحية التي هي أصل شخصيتك كما صنعها الله ببره فأورثك البر لتحقق كونك على صورته ومثاله وكانت الزلات تهزّ هذه الأعماق وتلطخها وتسلخك عن النشوء الأصلي الذي أتيت منه والناس لا يعلمون انهم خرجوا ناصعين من الفداء الذي اغتسلوا فيه فنالوا صبغة الله. حقيقتك الكبرى هي التي نزلت عليك لا التي نسجتها في ضعفك وظننتها خلابة وما هي بخلابة.

ووخز السقوط يجرحك أبداً ويمزقك أحياناً ويفتتك وانت محتسب أن لك في سقطاتك تركيبة جديدة تجد فيها لذائذ ولا تلبث ان تحس انها عابرة وانها تركتك مهشّمًا ليس فيك وحدة.

أجل الخطيئة توهم أحياناً بوحدة أخرى لكنك تحس بأنها صادمة للكيان الطيب المحجوب فيك وعبثاً تحاول بدون العشق الإلهي ان تضرب البناء الفاسد وتدمّره انه كان لك بالفضيلة كيان عظيم.

 

■ ■ ■

اذا أرجأت توبتك قد تعود وقد لا تعود. الإرجاء يعني انك لا تزال عاشق الخطيئة ولم تتحسس فيك ذوقاً لله. الله عندك مجرد حكي وليس وجوداً مالئاً كيانك. في هذا التردد لا تزال مشتتا مبعثراً بين الخطيئة المعششة فيك ورغبات صلاح لم يكتمل. لم تجلد نفسك بعد. لم ينزل منك دم ولم تذق حلاوات الله. لم تشنَ الحرب على زلاتك لكونك في الحقيقة لا تزال حليف السوء الذي فيك.

الويل لك ان دهمك الموت وأنت غير تائب. معنى هذا ان الله يراك عند فراقك قبيحاً اذ ابتعدت بعدًا رهيباً. لا يرى فيك ذلك الذي خلقه شبيهًا ببهائه. هذا لم يرضك فاستعرت الهاً مميتاً ترضى ان يأخذك الى تيه قد يقودك الى الغرق النهائي. ماذا تعمل بعد هذا رحمته؟ هذا شأنه. هو كلّمك ولم تسمع أو ما أردت ان تفهم. مَن قال إنك بعد موتك ستسمع؟ هو لم يعد بذلك.

ليست التوبة مرتبطة بسن محددة. هي تنزل من فوق وكثيراً ما نزلت على شباب تراهم بيضاً كالثلج. شيبك لا يعني شيئاً. القلب كل شيء وفيه تختزن الكنز الإلهي. قد ينكسر جسدك ويتهاوى. هذا لا يسوق الى الاهتداء بالضرورة. أنت لا تعرف سر الموت ولا تعرف ساعته. انه يأتي عليك كاللص كما قال الكتاب. الموت يسجل موتك الروحي أو يسجل قيامتك. هل تريد لحناً ملائكياً بعده أو صراخ شياطين. هل تشتهي لطفاً الهياً أو سخط إله. القرار بين يديك. أطلب من الله ان يُنزل عليك القرار لئلا تفنى في الجهالة.

■ ■ ■

لا أحد يعرف حكمة الله في الأعمار. هناك ظاهرة بيولوجية لا ريب في ذلك لكنها ليست مستقلة عن تدبير الخالق لها. ان يحفظ الانسان جسده معافى مرتبط به الى حد ومرتبط بالعناية الالهية الى حد. أكثر من هذا لا نعرف وليس من حاجة ان نعرف. جلّ ما يطلبه الله ان نكون مستعدين للقائه وما من لقاء حقيقي إلاّ من بعد استعداد. عندنا نصوص يُفهم منها ان المسيح يستقبل الميت بما عنده من حنان لكن هذا الحنان لا يتقبل من الميت فراغاً. من هنا ضرورة تكليف الانسان نفسه ما في وسعها أو أكثر حتى يكون قبولها مشاركة بينها وبين ربها. والرحمة لا حدود لها. هي فيض. هل للإنسان ان يحسن فقط؟ الحنان الإلهي اذا عنى شيئا فلا بد ان يعني تجميلا للنفس التي استُدعيت. بعض القديسين القلائل يقولون ان الرب لا يترك أحداً في الجحيم الى الأبد. غير ان القديس اسحق السرياني الذي كان يؤمن بهذا منعنا من تعليمه رسمياً خشية الانزلاق.

عندي ان المهم الاعتناء بذواتنا هنا روحياً مع الاتكال على الرحمة. المبتغى هو الجهد الأقصى لأن الرب جدي يطلب منّا الجدية ويكره الاسترخاء. ولكون الموت مداهما لا يسوغ أي تفريط. لذلك يجب ان نجعل أنفسنا أمام الحساب وأمام خوف الله والخوف تدرج لنا الى السماء.

اذا كان الله يحبك فلا تستغلّه لأن الاستغلال يعني انك لا تحب. انت حبيب الله. اذا لم ترضخ لمحبتك تكون خائناً له. السماء مفتوحة لك في كل مراحل حياتك. أحبب الدخول اليها.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share