إنجيل بولس

mjoa Sunday August 26, 2012 146

عندما يتكلم بولس عن إنجيله لا يريد به طبعًا الأناجيل الأربعة لأنها لم تكن مكتوبة. يقول لأهل كورنثوس انهم قبلوا هذا الإنجيل وأنهم قائمون فيه وأنهم به يخلُصون. هو حياة كاملة وفيه تقويم سلوكنا. ثم يعطي مضمون هذا الإنجيل بعد قوله انه تسلّمه من الرعيل الأول. المضمون هو هذا “أن المسيح مات من أجل خطايانا على ما في الكتُب”.

الكتُب تعني هنا العهد القديم لأن العهد الجديد لم يكن قد انسكب في كُتُب. وجوهر البشارة أن المسيح مات وقُبر وقام في اليوم الثالث وأنه تراءى لصفا (اي بطرس) ثم للإثني عشر. لا يذكر متى هذا الظهور. مرقس قال انه ظهر للأحد عشر ولا يذكر بطرس. ربما يوحنا يوافق هذا الكلام في الإصحاح الأخير من إنجيله. أما الخمس مئة الذين ظهر لهم حسب الرسالة فلم يُذكروا في الإنجيل ولم يُذكر يعقوب. عندنا إذًا ظهورات الرب في روايات مختلفة كان الرعيل الأول يتداولها. بعد هذا يقول بولس: “ثم تراءى لي كأنه للسِقط”، والسِقط هو الولد الذي يولد ميتًا.

سبب تسميته نفسه هكذا انه اعتبر نفسه أصغر الرسل “لأني اضطَهدتُ كنيسة الله”. وهو يشير هنا الى شراكته في قتل استفانوس وذهابه الى دمشق ليُلقي القبض على المؤمنين.

غير أن بولس لم ييأس من حياته السابقة ولو كانت تُحزنه فأكّد: “بنعمة الله أنا ما أنا”. الحنان الإلهي يمحو كل خطيئة ويجعل التائب إنسانًا جديدًا. ثم لا يكتفي بالقول بأن النعمة خلّصته ولكن دفعته الى العمل أكثر من الجميع. ولكن بعد أن رأى نفسه عظيم الانتاج اي عظيم البشارة متنقلا بين الكثير من المدن الهامة حول البحر المتوسط أخذ تعبير التواضع فقال: “فسواء كنتُ انا أَم أولئك، هكذا نكرز وهكذا آمنتُم”. هو واحد مع الرسل لأن عندهم مضمونا تعليميا واحدا وبنتيجته آمن من آمن. هذا يقودنا الى القول ان التقليد الرسوليّ او التراث الرسوليّ واحد يعبّر عنه كل واحد حسب موهبته. فهذا يتكلم هكذا، وذاك هكذا، فتأتي كل الرسائل واحدة في عمقها بفضل من الروح القدس الواحد الذي يُلهم هذا تعابير وذاك تعابير حسب استعداد كل رسول وحسب مستواه العقليّ وخبرته الحياتية.

نحن ليس عندنا تنزيل اي إملاء إلهيّ بكلمات. عندنا إلهام اي تقوية من الروح القدس، والرسول يتكلم بشريًا بكلماته وإلهيًا بإلهامه.

من هذا أن متى له كلماته ويوحنا له كلماته، وأنت لك الحق أن تحبّ أشياء كثيرة عند متى، وأشياء أُخرى عند يوحنا، وأن تتذوّق هذا الإنجيليّ حسب مواهبك، وذاك الإنجيليّ حسب مواهبك. من هنا نفهم أن المسيحيين متعددو الأذواق اللاهوتية، فهذا المؤمن عميق في اللاهوت، وذاك يفضّل التعليم الأخلاقيّ. وهذه مواهب تتكامل فتأتي الكنيسة متنوّعة وواحدة بآن، ويتمجّد الرب بتعدّد المواهب ووحدتها في الروح القدس.

جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان).
رَعيّـتي تصدرها أبرشيـة جبيـل والبتـرون للـروم الأرثـوذكـس

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share