تراجع دور الكنيسة المحافظة في أمريكا

mjoa Tuesday August 28, 2012 54

يشير استطلاع جديد للرأي أن الالحاد في تزايد في الولايات المتحدة، بينما تراجعت أعداد أولئك الذين يعتبرون أنفسهم متدينين. اثنان من الكتاب يتناولان الاسباب وراء هذه الظاهرة.

قام باحثون مؤخرا بإجراء استطلاع لمؤسسة الشبكة العالمية المستقلة لأبحاث السوق “WIN” وغالوب انترناشيونال “Gallup International” حول دور الدين في أمريكا شمل أشخاصا من 57 دولة.

ويشير الاستطلاع إلى أنه في الولايات المتحدة تراجع عدد من يعتبرون أنفسهم متديين من 73% إلى5%. إذن ما هوي الأسباب وراء هذا التغيير، هل الكنائس التي تلاحق التوجهات المعاصرة على حساب المعتقدات الرئيسية؟ أم أن أولئك الذين كانوا دائما لا يتبنون موقفا واضحا من الدين أصبحوا الآن غير راغبين على الأرجح في اعتبار أنفسهم متدينين؟

وجهنا السؤال إلى اثنين من الكتاب لاستعراض رأيهما في هذه القضية.

رود دريهر: الكنائس التقدمية تعزز عدم الاكتراث بالدين

بوصفي مسيحي ممارس على نهج (بيتر) هتشنز، فإنني أرحب بالتقارير التي تتحدث عن استعداد الأمريكيين لاعتبار أنفسهم ملحدين. فهذا على الأقل يوضح الأمور. إنني احترم الملحدين الصادقين أكثر من العديد ممن يتبنون نفس نهجي.
خذ مثالا على ذلك المؤتمر العام للكنيسة الأسقفية، ذلك التجمع للفرع الرئيسي للطائفة الانغيلية في الولايات المتحدة والذي ينعقد كل ثلاث سنوات.

أقرت الهيئة التشريعية للكنيسة مرسوما دينيا لزواج المثليين، أزالت بموجبه العراقيل أمام شغل المتحولين جنسيا منصب الأسقف.

وخلال نقاش بشأن رجال الكنيسة المتحولين جنسيا، قال أحد الأساقفة إن هذا المقترح حال تبنيه سيتسبب في ارتباك لاهوتي. ووقف آخر ليقول إن هذا الارتباك هو بالضبط السبب في ضرورة تمرير هذا الإجراء بسهولة كما تم.

تشهد الكنيسة الأسقفية مثلما هو الحال مع جميع الطوائف البروتستانيتية السائدة في أمريكا تراجعا كبيرا منذ عقود.

لكن وكما يقول كاتب العمود في صحيفة “نيويورك تايمز” روس داوذات، فإن المسيحيين التقدميين ووسائل الإعلام المتعاطفة مع العلمانيين غير قادرين على الإقرار بأن رغبتهم في إعادة تعريف الدين تساهم في دفع المسيحية الليبرالية إلى الاندثار.

ويشير داوذات إلى أن الضجة الإعلامية بشأن هجوم الفاتيكان على الراهبات الليبراليات في أمريكا تجاهل الانهيار الكامل في المهن النسائية. أكثر من 90% من الراهبات الأمريكيات تصل أعمارهم إلى الستين أو أكثر، والراهبات المحافظات هن الفئة الوحيدة التي تشهد تزايدا في أعدادها.

قد تكون الكنائس الأمريكية المحافظة تحقق أداء أفضل، لكن لا يمكنها أن تفرح لذلك كثيرا. وبحسب بيانات مفصلة للعلوم الاجتماعية قام بتحليلها روبرت بوتنام من جامعة هارفارد وديفيد كامبل من نوتر دام، فإن كافة الطوائف الدينية الأمريكية المنظمة تشهد تراجعا في أعداد اتباعها.

لذا، فهل هذا نبأ سار للملحدين؟ لا ليس بالفعل. توصل بوتنام وكامبل، الذين الفا كتابا بعنوان “امريكان غريس” عام 2010 ونال إشادة كبيرة إلى أن الإلحاد لا يزال محصورا لدى عدد قليل نسبيا من السكان، يتركزون بصورة غير متناسبة في الدوائر الأكاديمية والإعلامية.

كانت الزيادة الكبيرة في أوساط طائفة يطلق عليها المؤلفان “نانز” أو (الطائفة المنفردة)، وهؤلاء هم الأشخاص الذين ليس لديهم انتماء ديني محدد، لكن معظمهم يؤمن بوجود الرب.

أفراد هذه الفئة هم جماعة “روحانية، وليست دينية”، ونحو17% من الأمريكيين ينتمون إلى هؤلاء، وهم أعلى بثلاث نقاط مئوية عن الطائفة البروتوستانتينية السائدة. لكن أعداد هذه الفئة منخفض بصورة خادعة بالنظر إلى موجة الأجيال التي تطغى حاليا على المشهد الديني في الولايات المتحدة. ومن بين هؤلاء صغار البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما، وهؤلاء تتزايد أعدادهم بسرعة.

الأسباب

ووفقا للبحث، فإن صغار السن يغادرون الكنائس التقليدية لأنهم لا يتفقون مع الآراء التقليدية بشأن الميول المثلية الجنسية، وهم مستاؤون من ارتباط هذه الكنائس بالحزب الجمهوري.وهؤلاء أيضا لا ينتمون إلى الكنائس الليبرالية، التي تبالغ في ترحيبها بالمثليين جنسيا وتأييدهم. لكن هناك أعداد متزايدة من صغار البالغين الذين لا يرون سببا في الذهاب للكنيسة على الإطلاق.

التوجه المتزايد الذي يتبناه الشباب الصغار للابتعاد عن المسيحية المؤسسية هو أول حصاد لما يصفه عالما الاجتماع كريستيان سميث وميلندا لوندكويست دنتون “بالربوبية الأخلاقية العلاجية” والتي تعرف اختصارا ب”ام تي دي”.

وبحسب البحث الذي أجراه سميث، فإن هذه العقيدة هي العقيدة الرئيسية لجميع الأمريكيين من صغار السن تقريبا، المسيحيون وغير المسيحيين.

وتتمثل مبادئ هذه العقيدة في وجود الرب وأنه يريد السعادة لنا، وأن السعادة هي هدف الحياة. وبحسب هذا المعتقد، فإنه لا ينبغي إدخال الرب في الشؤون الحياتية للشخص إلا إذا احتاج (الشخص) شيئا. هذا هو مثاليا دين زائف لثقافة فردية، استهلاكية ومزدهرة. ويمكنك هنا رؤية السبب في أن الجيل الذي تربى على عقيدة “الربوبية الأخلاقية العلاجية” ليس لديه اهتمام بالدين التقليدي.

ولذا فإن مستقبل الدين في أمريكا ما بعد عصر الحداثة سيبدو أنه ينتمي إلى متكاسلين لاهوتيين يؤمنون بآله غامض لا يقدم أي مطالب، ويوفر لهم الراحة النفسية فقط. من يريد ذلك أكثر؟ الملحدون على الأقل سيكون لديهم الشجاعة في عدم إيمانهم بالقناعات الدينية.

وفي مرحلة ما، فإن فئة الـ”نانز” أو (المنفردون) ربما ستكتشف أنه لا يمكن لعقيدة “الربوبية الأخلاقية العلاجية” أو الملحدين منحهم الأمل الآلهي الذي يحتاجونه لتحمل المعاناة الحقيقية والانتصار عليها.

ديفيد إليس ديكرسون: الكنائس المحافظة تفقد الأرضية الأخلاقية

الإلحاد في أمريكا تزايد أربعة أضعاف منذ عام 2005، أو بطريقة أخرى، ارتفع بنسبة 400%.

قبل سبع سنوات كان الملحدون يمثلون نسبة ضئيلة للغاية، لكن الأهم من أعداد الملحدين هو التراجع في أعداد الذين يعتبرون أنفسهم متدينين بنسبة 13%.

حتى في حال كان بعض هؤلاء يشكلون الملحدين الجدد، فإن هناك على الأقل 9 بالمائة الذين تخلوا عن هويتهم الدينية تماما.

العديد من هؤلاء المستطلع آراؤهم من المفترض أنهم المعادل الديني للناخبين الذين لم يحسموا أمرهم: وهؤلاء المتواجدون في المنتصف هم من يرفضون الرد على أسئلة مثل هذه، لكنهم الآن يقولو “اعتقد أنني لست متدينا”، بينما قبل سبع سنوات كانوا يقولون “اعتقد أنني مسيحي”.

يمثل هذا تحولا كبيرا، لكنه على الأرجح ليس عاطفيا، لذا ما هي الأسباب التي جعل هؤلاء الأشخاص يغيرون آراءهم على الإطلاق؟

ورغم أن هذا التراجع في الهوية الدينية يتزامن مع انتشار “الإلحاد الجديد”، في أعقاب الكتب التي حققت أعلى مبيعات لريتشارد داوكنز، سام هاريس وآخرين، فإن إرجاع هذا التغيير إلى هذه الأعمال يبدو غير مرجحا.

لم يحدث شيء خلال السنوات السبع الماضية يجعل من هذه الحجج الفلسفية عن الرب أكثر أو أقل قبولا.

أرى أن كتابي هاريس ودوكينز يرجع إليها الفضل في زيادة نسبة الملحدين الجدد بنسبة واحد بالمائة على أقصى تقدير، ربما اثنين بالمائة.

إذن ماذا حدث غير ذلك؟ لا يمكن أن تكون فضيحة الإنتهاكات التي لحقت بالكاثوليك لأنها بدأت قبل أكثر من سبع سنوات مضت، وإنه ليس فقط الكنيسة الكاثوليكية التي تخسر اتباعها. إنه ليس “الإرهاب الإسلامي”، لأن العداء للمسلمين المتشددين هو الغالب سبب أكبر للتمسك بصورة دفاعية بالمسيحية أكثر من كونه سببا لرفض الدين تماما.

القضية الرئيسية هي المثلية الجنسية

في أوائل الألفية الجديد، اكتشفت منظمة “بارنا غروب”، وهي منظمة تقوم بأبحاث انجيلية وكانت تتابع منذ فترة طويلة مسار اتجاهات الأمريكيين إزاء الدين، بأنه تقريبا في ليلة وضحاها تراجعت سمعة الانجيليين.

كانت التوجهات البارزة في الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و29 عاما، ولذلك قضى ديفيد كينامان الرئيس الحالي لبارنا الثلاث سنوات التالية في البحث عن الأسباب.

وحينما سأل هؤلاء الصغار ماهي الصفات التي يطلقونها على الانجيليين، كانت الإجابة الأولى هي “مناهضة المثلية الجنسية” بنسبة 91%.

لقد تغيرت اتجاهاتنا فقط إزاء المثلية الجنسية بالفعل منذ عام 2005، وهذا التغيير يمكن تتبعه مع الصغار المستطلع آراؤهم، وبالتالي أيضا فقدان الهوية الدينية. لست من القائمين على الاستطلاع، لكن هذا لا يبدو من قبيل الصدفة.

إنني اتحدث من واقع التجربة الشخصية هنا أيضا، لقد تربيت وانا انجيلي متدين، ودرست لكي أكون اسقفا.

حينما تحدث الجمهوريون بصورة إيجابية عن حقوق المثليين جنسيا من الذكور، لقد تحدثوا دائما عن شغفهم بالعائلة والأصدقاء، وعدم استعدادهم لانتزاع السعادة من الآخرين. هذه هي الحجة المفحمة: لماذا يكون الرب غير راض عن أشخاص طيبين يحبون بعضهم البعض؟ وإذا كان هذا هو الدين، يمكننا أن نحقق أداء حسنا.

ووهذا هو السبب في أنه خبر سار أن يقول الأشخاص المترددين “ليس لدي دين” ردا على أسئلة الاستطلاع. هذا ليس بسبب تغير سلوك هؤلاء بالفعل، فإنني أشك في أن هؤلاء الأشخاص اعتادوا الذهاب للكنيسة حتى حينما قالوا عن أنفسهم أنهم “متدينون” فحسب عام 2005، لكن لأن يعني أن “ليس لدي دين” أصبحت الآن القول الآمن والمحايد.

ويعني هذا أن الكنيسة المسيحية المحافظة، بالرغم من أنها لا تمثل رمز الدين، إلا أنها لم تعد تملك معه الأخلاق العامة. هذا يمنح الجميع أيضا، مسيحيين آخرين أو ديانات أخرى أو حتى ملحدين مثلي، مجالا على طاولة المؤتمرات.

وويعني هذا أيضا أن الانجيليين سيضطرون إلى إحداث تغيير إذا كانوا يعتزمون الحفاظ على وجودهم وشعبيتهم بدرجة كافية لهداية الآخرين لمعتقدخهم، كما كانوا يسعون دائما.

وخلال المستقبل القريب، وفي حال تمكنت من ذلك، فإن الكنيسة المحافظة ستضطر للاستماع بصورة بتواضع إلى المثليين جنسيا والملحدين. إذا لم يتغير الانجيليون، فإن أعدادهم ستواصل التراجع.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share