يواجه العالم العربي تحولات مجتمعية عميقة بدأت ترسم مصيره لأجيال عديدة قادمة. يتسم بعض هذه التحولات بطابع إيجابي بناء يتمثل في التأكيد على التمسك بقيم العدالة والحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان. إلا أن من هذه التحولات أيضاً ما يتسم بطابع سلبي مقلق وخطير، يتمثل في الهجرة المسيحية من العديد من الدول العربية.
إن هذه الهجرة وإن كانت بدأت قبل بداية هذه التحولات، إلا أنها بما تمثله من خطر على تماسك نسيج المجتمعات العربية المتنوعة، ومن تشويه لصورة العيش الوطني الواحد التي صاغت هوية هذه المجتمعات على مدى قرون عديدة سابقة، وبما تسفر عنه من استنزاف وهدر لثروة الأمة العربية من قدرات فكرية وعلمية وتربوية واقتصادية، تتطلب موقفاً موحداً وعملاً مشتركاً لمواجهتها والتصدي لها بما يصون وحدة المجتمعات العربية واحترام تعددها الديني والمذهبي. فلقد كان هذا التعدد على مدى التاريخ، المكوّن الأساس لشخصيتها والعمود الفقري الذي قامت وتقوم عليه هويتها القومية.
من أجل ذلك، تداعت مجموعة من المؤسسات والشخصيات العربية المعنية بالحوار وبالعلاقات الإسلامية المسيحية لإطلاق مبادرة مشتركة تندد بالهجرة المسيحية وترفع الصوت عالياً في وجه أسبابها ومسببيها، وتؤكد على التمسك بالثوابت الوطنية التي جعلت في السابق، وتجعل اليوم وغداً من المسيحيين والمسلمين العرب أمة واحدة يواجهون معاً مصيراً واحداً ويصنعون معاً مستقبلاً واحداً أيضاً. فالمسيحيون العرب لا يحتاجون إلى تطمين من إخوانهم وشركائهم في الوطن، ولكن الحاجة الجامعة لجميع المواطنين، مسلمين ومسيحيين، هي الاطمئنان إلى سلامة العيش الواحد والى سلامة الحريات العامة والى سيادة القانون وتثبيت دعائم السلم الأهلي.
وانطلاقاً من هذه القواعد الكلية، يؤكد الموقّعون على هذا النداء على الثوابت التالية:
أولاً: المسيحيون والمسلمون مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات. ومسؤولون معاً في، وعن، أوطانهم ومجتمعاتهم.
ثانياً: التأكيد على صيانة واحترام الحريات الدينية إيماناً وشعائر وممارسة، والتي كانت الطابع الذي تميزت به المجتمعات العربية على مدى التاريخ.
ثالثاً: رفض كل أنواع التطرف والغلو التي تحاول إنكار الآخر المختلف أو التنكر له أو تجاوزه أو فرض قيود على حرياته.
رابعاً: إدانة كل أنواع الإرهاب الجسدي أو الفكري أو الديني، والتمسك بمبدأ اللاإكراهية في الدين، على قاعدة الإيمان بالله الواحد رب الناس أجمعين.
خامساً: اعتبار الاعتداء على أي مسيحي، لدينه، بمثابة اعتداء على كل مسلم. واعتبار انتهاك حرمة أي كنيسة بمثابة انتهاك لحرمة كل مسجد. والتأكيد على حرمة بيوت الله جميعاً وقداستها.
سادساً: التأكيد على أن دعوة المسيحيين إلى عدم الخوف وتالياً إلى عدم الهجرة، يفترض أن يكون مترافقاً، بل يجب أن يترافق، مع دعوة المسلمين إلى تجنب تخويفهم باستخدام سلاح الأكثرية العددية أو التلويح باستخدامه. فليس صحيحاً أن الوحدة الوطنية لا تقوم إلا على طغيان العدد أو على وحدة المعتقد. لقد قامت الوحدة الوطنية ويجب أن تقوم على أساس قبول التنوع والتعدد، بما يتطلبه ذلك من احترام للحريات الخاصة والعامة، المدنية منها والدينية.
إن التحولات العميقة التي تشهدها مجتمعاتنا العربية والتي تعكس طموحات مشروعة من حيث التأكيد على احترام الكرامة الإنسانية، وحقوق المشاركة في اتخاذ القرارات وصناعة الغد الأفضل، لا يمكن أن تؤتي أكلها إذا غاب أو إذا غُيّب عنها مكوّن أساس من مكوناتها الأصيلة. ولتجنب ذلك يجب التصدي بكل فعالية لموجات الهجرة المسيحية التي بلغت مستويات استنزافية خطيرة. ويتطلب هذا الأمر أولاً وقبل كل شيء، صيانة الوحدة الوطنية من عبث العابثين، والارتفاع بها إلى مستوى ما تمثله إرادة الله في اختيار هذه المنطقة دون غيرها من مناطق العالم، لتكون مهبط وحيه ومنطلق رسالاته إلى الناس أجمعين.