كان هـمّ بـولـس الرسول في الرسالة الى أهل غلاطية (آسيا الصغرى) أن يُبيّن أننا تجاوزنـا نـامـوس مـوسى ودخـلنـا العهـد الجـديـد. يستـهـلّ الـمـقـطع الـذي يـُقـرأ اليـوم بـقـولـه: “انظـروا مـا أعـظـم الأحـرف التـي كـتـبـتُـهـا إليكـم بيـدي، ويـريـد بـذلـك أنـه أخـذ الـقـلـم مـن الكـاتـب الـذي كـان يـُمـلـي عـليـه وكـتـب هـذه الـكـلـمـات الـقـلـيـلة بخـطّ يـده ليـُبـيـّن لـلـقـرّاء محـبتـه لـهـم.
ثـم يـأخـذ مـوضوع الختـان (بالـلـغـة العـامّـيـة التـطـهـيـر) ولاحـظ أن بعـض الـمتـمسّـكـيـن بـنـامـوس مـوسى مـن أبنـاء الكـنيـسـة كـانـوا يـتـمـنّـون أن يخـتـتن المسيحيـون المُهـتـدون مـن الـوثـنـيـة أي أن يَعبُـروا بالديـانـة الـيـهـوديـة أولاً ويـتعـمّـدوا فـي مـا بعـد. صوّر بـولـس لقرّائه أن هؤلاء يفتخرون بالأجساد المختـونـة، ورفـض هذا فقـال: “حاشى لـي أن أَفتخـر إلا بصليـب ربنـا يسـوع المسيـح الذي بـه صُلـب العـالـم لـي وانا صُلبـتُ لـلعـالـم”.
صُلـبَ العـالـمُ لي لأنـي أَبطـلـتُ العـالـم الذي كله تحت الشرير واستعمل كلمة صلبتُه. كذلك قوله: “وأنا صُلبتُ للعالم” اي أن هذا العالم الشرير تخلّص منّي بإماتتي على الصليب (معنويا(.
ويُبـرّر تحـرّره من الختـان او عـدم الخـتـان إذ يساوي بينـهما فيقـول: “لأنـه فـي المسيـح يسـوع (اي بعد أن صرنا في المسيـح) ليـس الختـان بشيء ولا القـلـف” (او الغـرلــة بتـرجمـة أخرى، اي عدم الاختتان”، ليس هذا كله بشيء “بل الخليقـة الجديـدة” اي المتجددة بالإيمان وبالـمـعـمـوديـة.
“وكـل الـذين يسـلُـكـون بـحـسب هذا القـانـون” اي كل الذين يـؤمنـون بـقـولـي هـذا او بإنـجـيـلـي كما كان يُعَبـّر أحيـانـا فعـلـيـهـم سـلامٌ ورحـمـةٌ وعلى إسرائيلِ (بكسر اللام) اللهِ، ويعني به إسـرائيـل الجـديـد الذي هـو الكـنـيسـة.
لذلك لا تُتعبوني بكل هذا الجـدَل الذي لا معنى لـه لأني “حـامـلٌ فـي جسـدي سمـات الـرب يسـوع” ويريد بها المشقّات التي تحمّلها هنا وهناك والاضـطـهـادات. عـلامـات تـعـبـي أنـا حـامـلـهـا وسـأُتـابـع طـريـقـي الـى الصلـيـب تـشبّـهـًا بالسيّـد. وفـي الـواقـع قـتـلـت السلطـة الـرومانيـة بـولـس بحـد السـيـف حـوالـي السنـة الـ67 كـمـا قـتـلـت بـطـرس بالصلب السنـة الـ65.
بعد كل هذا الكلام اللاهوتي يُسلّم على أهل غلاطية بقوله: نعمة ربنا يسوع المسيح مع روحكم أيها الإخوة، آمين.
بـهـذا تـنتـهـي الـرسـالـة الى أهـل غـلاطيـة وهـي مـن أعـمـق الـرسـائـل لاهـوتيـا وشبـيـهـة بـرسـالـة بولس الـى أهل رومية. ما كتبه الرسول العـظـيـم أسـاسـيّ لكـل مـن أحـب أن يـذوق اللاهـوت فـي العـهـد الـجـديـد. بـولـس هـو بـاني الكـلام اللاهـوتيّ في المسـيـحـيـة.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان).
رَعيّـتي تصدرها أبرشيـة جبيـل والبتـرون للـروم الأرثـوذكـس