رياضة الجسد

mjoa Saturday September 8, 2012 158

“العقل السليم في الجسم السليم” مثل لاتيني قديم اتخذناه نحن ويبشر به دائمًا الأطباء الذين يقولون ان الخلل العقلي في كثرة من الحالات مرتبط بالخلل الجسدي وطبابته تسمى نفسية-جسدية. الكائن البشري كيان عضوي organisme كل شيء فيه مرتبط بالشيء الآخر. لذلك كان ترويض الجسد وسلامته اساسيين لحفظ القوى الفكرية حتى تأتي السلامة كاملة من كل جوانبها.

لقد لاحظ الأقدمون الضعف في كل جسد وحاولوا معالجته منذ هيبوقراط ابي الطب وكانوا قد ادركوا أهمية الأعشاب والوحدة القائمة بين جسدنا ومواد الطبيعة وكان غرضهم في تصنيف كل ما في الطبيعة انعاش الإنسان لبلوغه ما أمكنه من السلامة.

غير ان الإنسان ليس دائمًا مصابا ولو ضعف عنده هذا العضو او ذاك وفكر في دعم جسده السليم بالرياضة لئلا يسقط هذا الجسد اذا لم يتروض او تضعف قواه فاخترع العلاج الفيزيائي من جهة والرياضة البدنية من جهة التي يغلب فيها الآن المشي اليومي اذ يرى العلماء انك تعرض صحتك للضعف ان لم تمارس هذه الرياضة.

فلسفة هذا الكلام ان في الجسم دفاعا ذاتيا يعفي عنك احيانا ضرورة الاتخاذ للدواء. وما يذهلك حقا ان ثمة من يموت ولم يكن فيه مرض معروف.
هذا سر الموت الذي لم يعطَ لأحدنا حتى اليوم. نحن نعرف ان الأعمار طالت جيلا بعد جيل. سوف نصل قريبًا حسبما يقال الى معدل 120 سنة ونحن الآن بين الـ80 والـ85 تقريبا اي يبقى علينا ان نتحمّل عددا من الشيوخ كبيرا وهم لا ينتجون. ان نمو عمر الإنسان ينفعنا بفكر المسنين اذا تدفق ويضعفنا اقتصاديًا ما في ذلك ريب. ولكن ما الحيلة في العقود الآتية؟

يبقى انه واجب خلقي علينا ان نساعد آباءنا وامهاتنا على العيش الطويل لنستمد المحبة ونعطيها ونتشارك في الوجود الطيب. هذا حلم الصابرين اذا صبروا لكنه ضائقة معاشية لا مهرب منها الى ان يكشف لنا الاقتصاديون قدرة جديدة على احياء الإنتاج الزراعي والصناعي في صورة جديدة. بسبب من معرفتنا لكل ذلك ما هو في وسعنا ان نروض جسدنا ليقوى.

***

اعتقادنا نحن ان هذا الجسد ليس بدنا محضا. ليس مجرد مادة كالحديد والخشب. فيه مسعى. فيه نشأة الى اكتمال الشخصية في النفس او ذروتها في القلب كما علمنا الآباء الأقدسون. الجسد والنفس واحد بمعنى وحدة مسيرتهما الى المجد الالهي الذي سوف يكسو هذا الكيان المتكامل الذي ينبعث في اليوم الآخر ليتجلى كالنهار ويلتمع اكثر من الشمس.

نحن امام جسدنا في رؤية تهيئه للقيامة. نحن في كليتنا مرافقوه اليها. وفي هذه المرافقة نناجي الله ويرد على نجاوانا بالحب. الحياة وثبة وليست فقط اعضاء من لحم ودم.
ولكون الجسد شريك هذه الوثبات نعنى به لنعطي الناس ما فينا فيقوى انتماؤهم الى الله ونجعل بيننا وبينهم قربى أقوى من النسب الذي هو من الدم فقط الى ان نصبح في اليوم الأخير عائلة الآب.

وحتى تكتمل المسيرة لا بد من عناية بالجسد كما العناية بالنفس وهنا تدخل مسألة الرياضة التي هي التماس للصحة ومحاربة للموت. والإهمال تسريع للمرض او الهزالة.
وليس هنا المجال لالقاء درس في التروض. نحن نقر المبدأ على انه واجب روحي واعتبار الصحة قيمة. الجهد لاكتسابها هو القيمة في الحقيقة ولكن المرض يصبح قيمة اعظم اذا اقتبلناه بصبر وكافحناه لأنه كثيرا ما يدنينا من الله ويطلقنا الى الصلاة.

***

هنا لا بد لنا ان نلاحظ المغالاة في الرياضة او تخصيص اوقات طويلة لها. هذا ربما أتى عند بعض عبادة للجسد وإهمال للنشاط الفكري. هناك من لا يستطيع ان يهرب من الضعف الجسدي ويبقى عظيم الفكر او الروح. القداسة تأتي قبل الرياضة البدنية والثقافة تأتي أيضًا قبلها. لا نتجاهلن سلم هذه القيم. مع ذلك تبقى الرياضة البدنية مسؤولية خلقية علينا لا بد من حملها.

في المدينة الحاضرة رياضيون محترفون يأتيهم راتبهم كاملا من الدولة التي تحتاج الى فرق مختلفة بسبب المباريات الدولية. هذا الرياضي الكبير لا يحق له ان يهمل تربية نفسه روحيا او فكريا لأن الإحتراف الرياضي لا يلغيه كائنا انسانيا يحتاج الى كل قواه النفسية والروحية والفكرية. لا يسوغ الغاء التغذية الفكرية في سبيل كسب المباريات.

يبقى من هذا كله انه لا يجوز لأحد ان يفتخر بصحته او قوته او جماله لأن كل هذا يؤول الى التراب. نحن مع الأخ الرياضي لكنا اولا حول الأخ المريض لتعزيته وتقويته بالرب لأن الرب الساكن فيه لا يجعله يخشى الموت.

ما من شك ان اهل العصر يعبدون الجسد كما عبده اليونانيون القدامى والرومان وفي هذا منحى مادي واضح في معرفة الإنسان. وهذا تتبعه عبادة للجمال التي سادت مناطق البحر الأبيض المتوسط منذ نشوء الأديان الوثنية عندنا. والبدعة هذه استقوى بها طب التجميل الذي لا نفع منه الا القليل لكونه قائمًا على التباهي بالحسن. وهذا التباهي باطل من أساسه. فأنت تقبل المرأة كما خلقها الرب وحسنها في الوداعة والطهر وهذه المنطقة او تلك لا تغير في حسناتها الروحية.

نقبل الجسد الذي الله خالقه ونروضه للحسنى والخدمة ابتغاء مجد الله العظيم.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share