إلى أين تذهبون بنا؟! مشروع الهيئة المدنيّة العامّة للرّوم الأرثوذكس في لبنان

mjoa Monday September 24, 2012 132

في مطلع شّهر تشرين الأوّل الآتي علينا بإذن الله (2012)، يلتئم المجمع المقدّس في جلسة عاديّة. من المشروعات المعدّة لدرس المجمع وتبنّيه مشروع النّظام الأساسيّ لِما يُسمَّى بـ”الهيئة المدنيّة العامّة للرّوم الأرثوذكس في لبنان”.

     وصلتنا نسخة من المشروع المَنْويّ اقتراحه، اليوم، عيد الصّليب المكرَّم، الرّابع عشر من أيلول (2012). بعد قراءته، بإمعان، تبيَّن لنا أنّنا بإزاء مشروع ذي طبيعة ملتبسة ومضامين كنسيّة خطيرة لا يمكن إلاّ أن تُحدث فوضى في الممارسة الكنسيّة وبلبلة وطغيانًا للممارسة الطّائفيّة نحو الإغضاء الفعليّ عن قانون وهيئات المجالس الرّعائيّة والأبرشيّة (1973/1993)، وإطلاق هيئة مدنيّة “مارديّة” تحت شعار “تعزيز دور الأرثوذكسيِّين الوطنيّ… لا سيّما في السّياسة والإدارة والعمل التّنمويّ والاجتماعيّ والثّقافيّ والتّربويّ”.

     قراءة تفاصيل المشروع المقترح تُظهر أنّ شعار الهيئة يذهب في اتّجاه، فيما طبيعة تكوين الهيئة تذهب في اتّجاه آخر.

     يقولون إنّ الهيئة مدنيّة، ومع ذلك، يرأس اجتماعاتها العامّة والتّنفيذيّة غبطة البطريرك بحضور مطارنة لبنان.

     يتكلّمون على إشراف غبطة البطريرك والسّادة المطارنة ورعايتهم، فيما يحدّدون الطّبيعة القانونيّة للهيئة بأنّها “هيئة مدنيّة خاصّة”. إذًا القطعُ والوصل فيها هو لبعض المدنيِّين الأرثوذكس، خاصّة أنّ القول هو إنّها “تتمتّع… بالشّخصيّة المعنويّة وبالاستقلال الإداريّ والماليّ”. عمليًّا، إذًا، هذه ليست هيئة كنسيّة بل هيئة طائفيّة بحتة ليس شيء كنسيّ فيها ملزِمًا. أعضاؤها الفرادى، حُكمًا، ليسوا، بالضّرورة، ممّن ينبغي أن يتمتّعوا بالإيمان الأرثوذكسيّ الفعليّ أو التّقوى، وأن يكونوا سالكين في محبّة الله، والصّلاة والصّوم   – هذه، في أفق المشروع، شؤون هامشيّة شخصيّة ولا تؤخذ في الاعتبار في العضويّة الفرديّة الحكميّة للهيئة. العضويّة محدّدة، سلفًا، بأصحاب المناصب والمراكز والمؤسّسات العامّة والشّركات من أبناء الطّائفة الأرثوذكسيّة؛ وهم، فيما يبدو، بين المئة والمئتَين، وربّما أكثر. هذه فئاتهم في المشروع المقترح:

     ” …..

     3.    نائب رئيس مجلس النّواب الحالي ونواب رئيس المجلس النّيابيّ السّابقون، والنّواب الحاليّون والسّابقون،

      4.    نائب رئيس مجلس الوزراء الحالي ونواب رئيس مجلس الوزراء السّابقون، والوزراء الحاليّون والسّابقون،

     5.    المدراء العامّون الحاليّون والسّابقون،

     6.    الرّؤساء الحاليّون والسّابقون للمؤسّسات العامّة ومجالس إدارتها،

     7.    القضاة العاملون من الدّرجة الثّامنة وما فوق والقضاة المتقاعدون في منصب الشّرف، وأعضاء المجلس الدّستوريّ السّابقون.

     8.    العسكريّون السّابقون في جميع الأسلاك الأمنيّة من رتبة لواء.

     9.    السّفراء الحاليّون والسّابقون .

     10.       رؤساء النّقابات المهنيّة الإلزاميّة الحاليّون والسّابقون،

     11.       رؤساء اتّحادات البلديّات ورؤساء وأعضاء المجالس البلديّة في بيروت ومراكز المحافظات.

     12.       رؤساء، ونواب رؤساء، وعمداء الكلّيّات في الجامعة اللّبنانيّة والجامعات الخاصّة السّت الأقدم في لبنان (الواردة تسميتهم نصًّا في المرسوم 9274 سنة 1996) والأساتذة الّذين يعملون فيها ويحملون لقب “أستاذ” الحاليّون والسّابقون.

     13.       أصحاب التّلفزيونات، والإذاعات المرخّص لها قانونًا، والصّحف السّياسيّة الّتي تصدر يوميًّا ودوريًّا ، ورؤساء مجالس إدارتها، ورؤساء تحريرها.

     14.        رؤساء  مجالس إدارة، والمدراء العامّون، للمصارف، والمستشفيات الخاصّة، والشّركات، على أن يزيد عدد موظفي كلّ منها على المئة.

     15.          رؤساء نقابتَي الصّحافة والمحرّرين الحاليّون والسّابقون.

     2 –    العضويّة المؤسّساتيّة الحكميّة: لكافة الجمعيّات الّتي لا تبغي الرّبح والمؤسّسة أصولاً، وتُعنى بخدمة الكنيسة الأرثوذكسيّة الأنطاكيّة أو الأرثوذكس وتصف نفسها صراحة بالأرثوذكسيّة في نظامها الأساسيّ وتدير أيًّا من المؤسّسات التّالية: مستشفى، ميتم، دار للّمسنّين، مدرسة، جامعة، أو الجمعيّات الّتي يزيد عدد المنتسبين اليها عن المئتين.

     3 –    العضويّة الفرديّة والمؤسّساتيّة:

      * إثنا عشر عضواً يعيِّنهم غبطة البطريرك على أن يُراعى في هذا التّعيين تمثيل مختلف المناطق والقطاعات والنّشاطات.

      * ثلاثة ممثّلين عن كلّ مجلس عامّ أبرشيّ. وفي حال عدم وجود هكذا مجلس يعيِّنهم سيادة مطران الأبرشية”.

     لاحظ أنّ عندك حفنة صغيرة فقط يُفترض أن يكون لها “طابع” كنسيّ: غبطة البطريرك، كرئيس للهيئة واللّجنة التّنفيذيّة، ومطارنة لبنان كأعضاء في الهيئة العامّة واللّجنة التنّفيذيّة، وثلاثة ممثِّلين عن كلّ مجلس عامّ أبرشيّ؛ فيما للبطريرك أن يعيِّن ثلاثة أعضاء في اللّجنة التّنفيذيّة.

     في مناخ كهذا المناخ، هل يمكن الحديث عن إشراف كنسيّ روحيّ فعليّ في شخص غبطة البطريرك ومطارنة لبنان، أم الإشراف إشراف شرفيّ، لا سيّما وأنّ أكثر أعضاء اللّجنة التّنفيذيّة يُنتخبون انتخاب؟!

     إذًا نحن، عمليًّا، بإزاء هيئة طائفيّة تُولّى، بتأسيس صاحب الغبطة، ودون إمكان حلِّها، كلّ الشّؤون المسمّاة “مدنيّة”، والخاصّة بأبناء الإيمان الأرثوذكسيّ في لبنان! البطاركة وأساقفة لبنان اللاّحقون سوف يكونون ملزَمين بها حُكمًا!

     مدى السّلطة المدنيّة الفعليّ لهذه الهيئة ملتبِس وغير محدّد. هذا واضح في تحديد أهداف الهيئة:

     الهدف الثّاني  يقول بـ”تأمين التّواصل وتيسير التّعاون بين الأبرشيّات والمؤسّسات في لبنان، وبين المقيمين في لبنان والمغتربين عنه”.

     الهدف الثّالث  يقول بـ”بناء الوحدة بين الأرثوذكس واحترام تنوّعهم وتشجيع اللّقاءات بينهم والحوار حول القضايا الوطنيّة ودورهم في خدمتها”.

     الهدف الرّابع  يقول بـ”تنظيم وتنسيق العلاقات بين الكنيسة ومؤسّسات الدّولة اللّبنانيّة الرّسميّة والهيئات التّمثيليّة للطّوائف اللّبنانيّة”.

     الهدف السّادس  يقول بـ”رسم السّياسة الإعلاميّة الملائمة والسّهر على حسن تنفيذها”.

     هذا واستعمال مصطلح “الهيئة المدنيّة” ينطوي، ضمنًا، على مفهوم لا أساس لاهوتيًّا له. الكلام على ما هو مدنيّ يعني أنّ هناك ما هو غير مدنيّ. المقصود، كما يبدو، أنّ هناك ما هو إكليريكيّ وما هو غير إكليريكيّ، أو هناك ما هو دينيّ وما هو مدنيّ. ما هو دينيّ يُهتمّ فيه بالطّقوس والأسرار الكنسيّة، وما هو مدنيّ يُهتمّ فيه بالشّأن السّياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ والعمرانيّ وما أشبه. هذه مقاربة طائفيّة لا كنسيّة. هذه هرطقة! مَن يؤدّون الخدمة الكهنوتيّة ليسوا طبقة خاصّة في الكنيسة. الأساقفة والكهنة والرّهبان وسائر المؤمنين إخوة في المسيح. كلّهم يحيون في المسيح أو لا يكونون من كنيسة المسيح. وكلّ واحد منهم يمجِّد الله ويهتمّ ببناء الكنيسة الحيّة، في موقعه، ووفق المواهب الّتي حباه بها الرّبّ الإله.

     وإذا كانت الأسس الّتي يقوم عليها الفكر الّذي هو وراء صياغة مثل هذا المشروع، غير لاهوتيّة، فهي، حكمًا، غير قانونيّة أيضًا.

     انطباعنا، من هذا المنطلق، أنّنا بإزاء مشروع يرمي، من حيث لا يقول أصحابه، إلى إطفاء ما تبقّى من جذوة الحياة الكنسيّة في صدور أبناء الإيمان، وتغيير معالمها نحو مرام ومكاسب طائفيّة مزعومة في هذا البلد؛ والتّحوّل ممّا يعتبره بعض المؤمنين قبضًا للأساقفة على زمام الأمور إلى قبضٍ للسّياسيّين وأصحاب المراكز والمناصب والأموال والشّركات وبعض عمّال سائر المؤسّسات العامّة والخاصّة، من ذوي التّابعيّة للطّائفة الأرثوذكسيّة، لهذه الزّمام! بين استئثار أسقفيّ مظنون وتجيير مقترَح لما هو “مدنيّ”، لا يبقى لجماعة ” الصّلاة والصّوم ” لا صوت ولا دور!

     لا الكنيسة للعبث ولا هي جمعيّة للصّمّ والبُكم!!

     لذلك، إلى أن تتثبَّت الحقيقة ويخرج الأكثرون عن صمت اللاّمبالاة المعهودة، نُبدي اعتراضًا على طمس فكر كنيسة الإيمان القويم وممارستها، على هذا النّحو، في هذه الدّيار!

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share