إلى إخوتي المسلمين، صبرًا وحِلمًا

الأب جورج مسّوح Wednesday September 26, 2012 110

يؤكّد “القرآن الكريم” في العديد من آياته أنّ الأنبياء كافّة قد تعرّضوا للإساءة والإهانة والاستهزاء ممّن لم يقبلوا الاعتراف برسالاتهم النبوّيّة. فلم يظهر نبيّ في قوم إلاّ كذّبوه ونعتوه بأشنع النعوت: “كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلاّ قالوا ساحرٌ أو مجنون” (سورة الذاريات، 52)، وأيضًا: “ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأوّلين. وما يأتيهم من رسول إلاّ كانوا به يستهزئون” (سورة الحجر، 10-11). فنوح وموسى وعيسى وسواهم ليسوا، وفق الكافرين بهم، سوى سحرة أو مجانين.

بيد أنّ القرآن يفيدنا بأنّ الله أوصى “النبيّ محمّد” بالصبر والحلم وعدم الاكتراث بالمسيئين إليه والإعراض عنهم وعدم مجادلتهم ولا مقاتلتهم: “فتوَلَّ عنهم فما أنت بملوم. وذكِّر فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين” (الذاريات، 54). الردّ على الإساءة، وفق الآية القرآنيّة، يقتصر على التذكير والموعظة الحسنة بالقرآن، فالتذكير ينفع المؤمنين ويشدّدهم ويسدّد خطاهم إلى كلّ عمل صالح.

وفي سورة الكوثر يقول الله للنبيّ: “إنّا أعطيناك الكوثر. فصلِّ لربّك وانحر. إنّ شانئك هو الأبتر”. والكوثر، وهو نهر في الجنّة، يفيد أيضًا، وفق كتب الحديث، “الخير البالغ النهاية في الكثرة”. ويقول أحد مفسّري هذه السورة: “إنّ مبغضك أيّها الرسول هو المنقطع عن الخير الدنيويّ والأخرويّ، ومنه الذكر الحسن والثناء الجميل، بل يلازمهم الذكر السيّئ، فهو خالد معهم حتّى في جهنّم. وأمّا أنت ايّها النبيّ فيبقى ذكرك وصيتك الطيب إلى يوم القيامة، وفي الآخرة”.

ولا بدّ، هنا، من أن نذكّر بالقاعدة الذهبيّة، وقد أضحت بديهيّة: “مَن عمل صالحًا فلنفسه، ومَن أساء فعليها، وما ربّك بظلاّم للعبيد” (سورة فُصّلت، 46). وفي السياق عينه يقرّ القرآن: “مَن عمل صالحًا فلنفسه، ومَن أساء فعليها، ثمّ إلى ربّكم تُرجعون” (سورة الجاثية، 15). إذًا، يتوعّد القرآن ذوي الأعمال السيّئة بالحساب حين يتوّفون إليه، حين يمثلون أمامه في يوم الدين.

يتوجّه القرآن إلى المؤمنين بالقول: “لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنة لـمَن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا” (سورة الأحزاب، 21). ومن النافل القول بأنّ أتباع كلّ ديانة إنّما يتّخذون أنبياءهم ورسلهم قدوةً حسنة في حياتهم، فيسعون إلى التمثّل بهم وبأعمالهم، وإلى السلوك وفق تعاليمهم ووصاياهم.

لا يسع أحدًا، على مرّ التاريخ، أنكار الإساءات والإهانات ضدّ الأنبياء كافّة. فأن يظهر فيلم يسيئ إلى أحد الأنبياء ليس بالأمر الجديد، وهو مستهجن ومستنكر. لكنّ ردّة فعل بعض الغيارى على الإيمان تثير الاستغراب، لأنّها آذت مَن لا علاقة لهم البتّة بالفيلم والمستفيدين منه. فليس الردّ على الإساءة يكون بالإساءة أيضًا عبر أعمال التحطيم والتكسير، أو عبر اتّهام ديانات أخرى بأنّها متآمرة ومتواطئة ومشاركة في هذه الإساءة.

لقد كان القرآن واضحًا حين أقرّ: “ولا تكسب نفسٌ إلاّ عليها ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى” (سورة الأنعام، 164). ويقول أحد مفسّري هذه الآية: “لا تكسب كلّ نفس ذنبًا إلاّ كان عليها إثمه وعقابه، ولا تتحمّل نفس بريئة ذنب نفس أخرى، ولا يؤاخذ أحد بجريرة أحد”. فصبرًا وحِلمًا.

الأب جورج مسّوح

“النهار”،26 أيلول 2012

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share