الـقاعدة الخُـلُـقـيـة التي تـنـفّـذ بـها محبـة الـقـريـب هي أن نُعـامـل النـاس كـمـا نريدهم أن يُـعـامـلـونـا. المسـاواة بـالـمعامـلـة حـدّ أدنى فـي التـلاقـي الـوجـداني والـعـملي. ويوضح السـيد هذه القـاعـدة فيقـول: “إن أحبـبـتـم الـذيـن يُحبّـونكـم فـأيّة منّة لكم”. المطلوب منـك فـوق ذلك أن تعـطـي أكـثـر مما تُـعـطـَى. الـمحـبـة هـي أن تـبـذل الـكـثـيـر مـمـا عـنـدك وأن تحـبّ بـلا حـدود.
هذا ما عبّر عنه السيد بقوله: “أَحبّوا أعداءكم”. أنت لا تسأل عن صفـات حسنـة فـي الآخر حتى تحبّه. أنت لا تحبّ حسنات فـيه قد توجد وقد لا توجد. تحبّـه كمـا هو في سُموّه وهبوطه، اذا ظهرت لك فيه مودّة او لم تظهر. لا تحبّه لكونك استلمـت منـه شيئـًا، وتحبّـه اذا حـرمـك عـاطـفـة منـه كـنـت تـنـتـظـرها.
ثم يقول: “أَحسنـوا” دون تحديد وجهـة الإحسـان او شكـل الإحسـان. يبــدأ الإحسان بالانـتــبــاه الى الآخـر، بالنـظـر الى حـاجـاتـه ولا سيمـا اذا كان قـريـبـا. إن كنت لا تعـرف حـاجـاتـه اسـألـه عـنـهـا وتـدبّـر أمورك حتى تجـدها لـه. قـد تكـون حـاجـاتـه مـاديـة وقـد تكـون مـعـنـوية.
إن لـم تـقـدر أن تـعـطـيـه مـالا لـكـونـه غـيـر مـتـوفـر لـديـك، فأنت دائما قـادر أن تـعـطـيـه قـوّة مـعـنويـة او تعـزيـة إن كـان حـزيـنـا او أن تـزوره إن كـان مـريضا. أحـيـانـا يـفـضّل أشيـاء كـثـيـرة عـن المـال.
أحسـن لـيـس فـقـط في الكلام ولكـن في تـبـيـان صداقـتـك. لا تبعـد عـن صديـقـك لـئلا يـظـن أنـك تباعـدت عـنه في عـاطفـتـك. الكـون كـلـه يـقـوم على القـربـى. فـمـن نـسيـك أو تنـاساك بـادر الى العـودة الـيـه لكي يسـتـعـيـد الدفء ولا يـحسّ بالعـزلـة. العـزلـة شـيء مـريـر ومحـزن.
دائمًا أَعـطِ الآخـر فـرحـًا حـتـى لا يـنـتـابـه يأس ولا يقع في شدّة معـنـويـة. داوِ كل شدة في كل إنسـان تعـرفـه لـكـي يـرى بـفـضلـك وجـه الـلـه.
ويـخـتـم الإنـجيـل هـذا الـمـقطع بـقـولـه: “كـونـوا رحـمـاء كـمـا أن أبـاكـم هـو رحـيـم”.
الرحـمـة سعـي الى إنـقـاذ الآخـر من كل شــدّة ومـن كــل تجــربـة الخــطـايـا. الـرحـمـة هي السـعـة وضم الآخـر إلـيـك وبـك الى ربـّه. مـن أَحــسّ بـرحـمـة الـلـه لا يـبـقـى فــي الضـيــق. تتـسـع نـفسـه الى كل الخـلائـق. تـقـبـل كـل الـنـاس. تـغـفـر لـمـن أسـاء الـيـهـا.
الرحمـة تـجـعـلـك واحـدًا مـع كـثـيـريـن، وتـجـعـل الآخـريـن مـوحّـديـن بـالـلـه ومــالـكـيـن الـفـرح.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
رَعيّـتي تصدرها أبرشيـة جبيـل والبتـرون للـروم الأرثـوذكـس