شدد البطريرك إغناطيوس الرابع هزيم على أهمّيّة الشهادة المسيحيّة في بلادنا والعالم، والسعي إلى تعزيز الحضور المسيحيّ فيهما، ومواجهة التحدّيات التي يواجهها أبناء الكنيسة في أوطانهم.
كلام هزيم جاء المجمع الأنطاكيّ المقدّس الذي اختتم أعمال الدورة العاديّة التاسعة والأربعين له في دير سيّدة البلمند.
وتوقّف آباء المجمع المقدّس عند الأحداث التي تشهدها منطقتنا، وما ينتج عنها من انعكاسات على المواطنين على اختلاف انتماءاتهم، “وتضرعوا إلى الله كي يعود السلام والاطمئنان إلى أوطاننا، فتسود قيم الحرّيّة، والعدالة، والمساواة، وينعم المواطنون بغد مشرق ومستقبل واعد لأبنائهم”.
وقد أكد الآباء على “أهمّيّة الحضور المسيحيّ المشرقيّ”، مشيرين الى ان “المسيحيّين المشرقيّين أبناء هذه المنطقة، التي هي مهد المسيحيّة، قدّموا للكنيسة الجامعة باقة من أهمّ آبائها وعلمائها، وتاريخهم شاهدٌ على انفتاحهم وانخراطهم في الحياة العامّة، وقد أغنوا الحضارة العربيّة بإسهامهم العلميّ والفكريّ والأدبيّ”، لافتين الى ان “المسيحيّين المشرقيّين، أبناء الكنائس المسيحيّة المتنوّعة، مدعوون إلى الالتزام بقضايا الإنسان والأوطان، مع الأمانة لتعاليم الإنجيل والتقليد الكنسي”.
واعلن الآباء ان “للكنيسة الأنطاكيّة الأرثوذكسيّة، المتجذّرة في المشرق العربي، أن تؤدّي دور الريادة في إظهار وجه المسيحيّة الأصيل الخادم للإنسان دون النظر إلى انتمائه العرقي أو الديني”.
ورأى الآباء “في تنامي الهجرة، وبخاصّة ممّن ينتمون إلى فئة الشباب، من منطقتنا إلى بلاد الاغتراب خطرًا يهدّد الحضور المسيحيّ الفاعل في مجتمعاتنا، لذلك لحظوا ضرورة تثمير الأوقاف ودعم المؤسّسات الكنسيّة من أجل خدمة متنامية للمؤمنين، لترسيخ وجودهم في ديارهم، وتأمين مقوّمات البقاء والثبات في البلاد التي دعانا الله إلى الشهادة فيها”.
واكدوا ان “المسيحيّين المشرقيون مدعوون إلى الالتزام بالعمل الدؤوب من أجل إحلال السلام في ربوعهم، وهم أبناء المحبّة والوداعة الإنجيليّة وكنيستهم تدعوهم ليكونوا أمناء لهذه الخصوصيّة، لذلك، تنبذ الكنيسة العنف الممارس في العالم العربيّ عمومًا، وفي سوريا والعراق خصوصًا، من قتل وتهجير وتشريد ودمار وفوضى وخطف”، مشيرين الى ان “التاريخ أثبت أنّ العنف، من أيّ جهة أتى، ليس سبيلاً إلى حلّ المشكلات، بل هو يفاقم من حدّة الانقسامات بين أبناء الوطن الواحد، ويدفع نحو مزيد من النـزاعات والحروب”.
ودعا الاباء “المعنيين ان ألاّ يستقيلوا من واجباتهم الوطنيّة لأنهم لا ينظرون إلى حضورهم في العالم من وجهة نظر عددية وهم يرفضون اعتبار أنفسهم أقلّيّة، وأن يتمّ التعامل معهم بذهنيّة أقلّويّة، وهم مسؤولون، مع شركائهم في الوطن، عن نهضة بلادهم السياسيّة والحضاريّة والاجتماعيّة كجزء من رسالتهم في هذا العالم”. ولفتوا الى ان “التأكيد على قيم المواطَنة السليمة والمساواة التامّة في الحقوق والواجبات بين المواطنين كافّة، هو في سبيل السعي إلى صياغة قوانين عادلة يخضع لها كلّ أبناء الوطن الواحد من دون تمييز، وتحقّق التمثيل الصحيح لكلّ مكوّنات الوطن، وتفتح مجالات الخدمة لكل مواطن وفق مؤهلاته”.
واكدوا ان “الكنيسة الأرثوذكسيّة الأنطاكيّة مصمّمة على أداء دور رياديّ كي يقوم أبناؤها بدورهم في تحمّل المسؤوليّات الوطنيّة”، مشيرين في هذا السياق الى “أنّ الكنيسة وعلى الرغم من انها لم تتبنَّ مشروع قانون للانتخابات في لبنان، فإنّها تؤكّد على ضرورة سنّ قانون للانتخابات يضمن صحّة التمثيل وعدالته للبنانيين كافةً”.
ورأوا ان “العالم أصبح للإعلام فيه دور مفصلي في تشكيل الرأي العام، ونقل المعلومة، وصياغة المعارف”، متوقفين “عند الأهميّة التي يجب أن تعطى لهذه المقوّمة من مقوّمات مجتمعنا اليوم”، مشيرين الى ان “الإعلام الدينيّ مدعوٌ طبعًا إلى بثّ قِيَم المعرفة والحرّيّة والانفتاح والتربية على قبول الآخر، وإلى عدم استعمال المنابر الإعلاميّة على اختلاف أنواعها لإثارة الغرائز وشحن النفوس، لكنه مدعو أيضًا لأداء دور إيجابي في تسليط الأضواء على كل ما يكرّم الإنسان ويرفع من شأنه”.
من هذا المنطلق شجب الآباء “الإساءات ضدّ الرموز والقيم الدينيّة”، واعتبروا ذلك “استهدافًا للمسيحيّة والإسلام من أجل زرع بذور الفتنة بين أبناء هاتين الديانتين التوحيديّتين”. كما شجبوا ردود الأفعال العنفيّة ضدّ تلك الإساءات، ورأوا أنّها لا تنسجم مع روحيّة المسيحيّة والإسلام اللذين يدعوان إلى تحكيم العقل والحكمة في أيّ عمل يقوم به المؤمنون.