أول خطيئة ارتكبها الإنسان حسب السرد التوراتي انه عصى أمر الله بأكله من شجرة في الفردوس منع من أكل ثمارها. بعد هذا اختبأ من وجه الرب اذ فرّق العصيان بينه وبين إلهه وترسخ في استكباره وصار واحدا مع تراب الأرض. والاستكبار ابادة الإنسان لصورة ربّه فيه.
والخطيئة الثانية قتل قايين لأخيه هابيل. أليس كل قتيل أخا للقاتل. ولما عاتب الرب قايين قائلاً: «أين هابيل أخوك» قال «لا أعلم. أحارس أنا لأخي». تحجب الأخوّة عن القلب المبيد. يبدأ الانفصال أي التشتت عن الآخر. الوحدة كانت في الحياة. انها نازلة على الناس واحدة وتزرع فيهم سر وحدتهم.
أنت لا ترزق الآخر حياة. تلحظها فيه وتدرك ان سرها الأساسي في انها معطاة أي انك تلقيتها من واحد وهو الله الذي فوّض رجلا وامرأة بمدك بها إلى ان تعود إليه وقت تحدد حكمته ذلك. الحياة في الجنس البشري تنتقل انتقالا منذ مئة وخمسين ومليون سنة ليستمر تمجيد الله بنا فاذا اوقفتها عمدا في اخيك البريء تكون قد تنكرت لهذا التمجيد وأقمت نفسك إلها كما فعل آدم.
ثم جاءت الوصية: «لا تقتل» (خروج 20: 13). الحديث عن القتلى في العهد القديم طويل. غير ان الكتاب الإلهي لا يفلسف التمنع عن ابادة الآخر. هذا امر إلهي تحيا أنت به ويحيا به المؤمنون. في هذا الأمر لا يجدد العهد الجديد شيئا أو يأتي بتفسير اذ لا يزول حرف واحد من الناموس (متى 5: 18). غير ان السيد يذهب إلى ما هو أعمق من الوصية القديمة فيمنع الغضب الذي يأتي بها ويمنع الخصومة. إماتة الآخر تبدأ هنا.
وفي الإسلام «من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا» (سورة المائدة، 22). كذلك يمنع القرآن الانتقام بقوله: «لئن بسطت اليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يديّ اليك لأقتلك اني أخاف الله ربّ العالمين» (المائدة، 28).
#
بالمعنى نفسه: «لا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق» (الأنعام، 151). كثيرا ما أتى القتل من الخوف، من الظن ان الآخر يحرض نفسه على قتلي. ألغيه قبل ان يلغيني. وفي هذا انا محتاج ان أنأى بنفسي عن الله لأتمكّن من تقرير ذبح الآخر. في حالة الفتنة كل امرئ عثرة لي. أنا سلطتي وهذه تأمر لتنبسط. وفي آخر تحليل مدى الدنيا لي. ومن لا استسيغه يعرقل بسط نفوذي على دنياي. ومن اريد اقتحامه يلغيني حتى لو لم يكن متعمدا أذاي. انا لا اشك في انه يريدني ان اموت. فلئلا يكون هذا يجب ان يموت هو.
لا يكون هذا اذا زال خوفي اما بقراءة لي جديدة لواقعي بحيث افهم بالتحليل ان خشيتي الآخر عنصر من عناصر قوته فإقدامه على القتل. والموقف الأعلى والأفعل ايماني بغلبة ايماني وقوة علوية تنزل عليّ وتمدّني بصمود امام الخطر فيحصل ما يحصل وأنا امجد الله في حياتي ومماتي. اكون في هذا قد بذلت نفسي لله الذي يرعاني في محياي ومماتي ويجعلني في اية حالة من الحياة في نصرة منه.
ان رؤيتك للحياة وإزالتها مرتبطة بإيمانك أو عدم ايمانك. أمام هذه المشكلة الكبيرة في بلدنا لا يبدو منذ اربعين سنة اننا على دين قوي فعففنا عن القتل أو اننا على دين ضعيف فقتلنا. يهون علينا ان نقول قاتلنا من أجل قضية. من قاتل لا يحمل الثأر ولا الكراهية أو بغض الذين انتموا إلى عقيدة دينية اخرى. والواقع اننا كنا نختبئ وراء ما نسميه ديننا لأننا نقتل خائفين من ذواتنا أولا ومما يبدو ضعفنا ثم خائفين من الآخرين معتقدين اننا محاربون ولسنا قتلة. مرة في الحرب بسبب خطأ مطبعي اتهمني احدهم اني اتهم ابناء طائفته انهم قتلوا ويبدو اني كتبتها مع اني كنت أود ان أقول انهم قاتلوا.
أنا غير مؤهّل جنائيا أو موضوعيا ان أدلّ على القتلة أو القاتلين وان افرّق بينهم. الفرد الذي عاش بعد الحرب وحمل السلاح يفحص قلبه أو ضميره ويعترف لنفسه عما اذا قتل أو قاتل. ولكني استقبلت مرة محاربا اعترف لي انه كان قاتلا وقرأت صفحات بالفرنسية كتبتها امرأتان اعترفتا بأن هذه الحرب كانت باطلة من البدء إلى النهاية. أنا هنا اشهد أو ابلغ ما سمعت.
ان السهولة الكبيرة في القتل في هذا البلد تدلّ على انّ الذين ارتكبوه وهم كثر لا يؤمنون حقا بالله أو لا يدخلونه في مجال الحياة والموت. قال لي طبيب كبير في الأمراض العقلية ان لبنان عنده اعظم نسبة من الجنون في العالم ولما سألته عن السبب قال ان كل من خرج من المصح يجب ان يكون عنده في الحي أو القرية مصح للأمراض العقلية لئلا ينتكس.
غير ان عددا منا قليلا دخل مصحا للأمراض العقلية. لماذا اذًا عندنا هذه النسبة الفظيعة؟ هل لأن ثمّة عوامل تصادم بيننا كامنة في تشكيلتنا المجتمعيّة؟ هل ان بغض الطوائف الأخرى ليس بغضا بالحقيقة بل خوف؟ هل الآخر من حيث هو مختلف مخيف؟
لعلّ السوال الأصعب هو هل نحن مؤمنون بالله معينا وحاضنا أو أبا أم اننا ننتمي بحسب قوانين الدولة إلى أديان لا يعنينا منها وجود إله حي يحيينا في نفوسنا ويدفعنا إلى السلام.
لماذا يقتني اللبناني سلاحا في بيته؟ هل لأنه يخشى الاعتداء أم يتوقع الاعتداء وعند ذاك هو خائف. ماذا يعمل الواعظ وهمّه الأول خلاص النفوس؟ هل معلّمو مادة الديانة في المدارس ينشئون شبابا شجاعا أم ينشئون مؤمنين بإله يزجّ الخطأة في جهنّم وهم تاليا يربونهم على الخوف.
ماذا يعني الايمان ان لم يعنِ الاطمئنان إلى الرب وإلى سلامه. حسرتنا ان يذهب الناس ضحايا قاتلين كانوا أم مقتولين. هل الأهميّة للاحتجاج أم للتوبة؟