إنَّها رحلة ممتعة ومفيدة. قصدناها برفقة راهب رفيق ثابت في حقل الرَّبِّ. وكانت ببركة أخينا المطران فيلبّس مطران أميركا الشماليَّة ورئيس الكهنة ألكسندروس مفرِّج أسقف شرق كندا، أصله من بشمزين – الكورة. كانت رحلة بشاريّة بكلِّ معنى الكلمة، أعني نقل البشارة السَّارَّة إلى تلك الديار، إلى ابناء الوطن المنتشرين في مدن كندا الشرقيَّة الرئيسيَّة: تورونتو، أوتَوَا، هُلِفَكس وخصوصاً إلى مدينة مونتريال الَّتي وحدها تضمّ ثلاث رعايا كبيرة تابعة للكنيسة الأرثوذكسيَّة الأنطاكيَّة.
تمنّيتُ من خلال هذه الرحلة أن يوجَدَ كهنة وآباء متجوّلون على غِرار التَّاريخ الأنطاكيِّ السَّابِق، رهبانٌ رُحَّل، “رُعاة” Bosko ينتقلون من مكان لآخَر في هذه الدنيا الصَّحراويّة ناقِلين معهم هذا التُّراث العابِق بالرُّوح الإلهيّ وثماره، تراثًا أرثوذكسيًّا يجذب في الوقت الحاضِر العديدَ من أبناء الغرب الَّذين تعِبُوا من عالم الاستهلاك المادِّيّ تائقين إلى عالم أفضل سماويّ وروحيّ. هذا مع أنَّ هذا التُّراث هو بعدُ في الشرق مطموسٌ.
ما سَرَّني في هذه الزيارة هو اللقاء بهذا الحنين الَّذي عند المهاجِرين، الحنين لا فقط إلى ذويهم وأرضهم بل وأيضاً إلى كنيستهم وأديارهم وثقافتهم وتربيتهم، يحاولون نقله إلى أولادهم الجامعين بين القديم والجديد، ليصنعوا من هذا الخليط ملكوتاً أفضل، هذا إذا لم يتلاشَ التُّراث في الحياة الدَّهريّة المظلِمَة والقاتِلَة. نحن عائشون اليوم في عالم جديد يجمع بين الشرق والغرب. القضية ليست في المكان، هي في الجوهر إذ لنا أن نحافِظَ على أرثوذكسيَّتنا المشرقيّة أينما وُجِدْنَا أَفي الوطن أم في بلاد الإنتشار (Diaspora). الأرثوذكسيَّة لها طابع نُسْكِي (ascetical – الكلمة أصلاً تعني تدريب) على ما فيه من الصوم أو الإمساك عن مغريات هذه الدنيا عِشْقًا لِله وليس كُرْهاً بالعالم، بالمادِّيَّات والتقنيَّات. هذا كلّه من مَعين الإنجيل، من أجل البشارة السَّارَّة للخلاص. ليست الكنيسة الأرثوذكسيَّة مؤسَّسة دُنيويّة، ملعباً للتَّسلية “نادي اجتماعي” (social club)، هي جسد المسيح، كما يحدِّدُها بولس، أي امتداد للمسيح في التاريخ وعلى الأرض. تنقُلُنا عن طريق صلواتِها من عالم الأرض إلى عالم السَّماء، من العالم الجَسَدَاني إلى العالم الرُّوحي. ترفعنا إلى الله لكي ينزِلَ الله إلى قلوبنا إلى كلِّ نواحي حياتِنا.
دعوةٌ مقدَّسَة لأمّة مقدَّسَة شعبُ اقتناء” (1 بطرس 2: 9) تُرَى! متى نستفيق من كبوتنا لكي نعِيَ رسالتَنا في هذا العالم العابِر؟! القضيّة ليست بالعدد ولا بقوّة الإعلام. الكلّ اليوم يبحث عن الحقيقة – أين نجدها؟ كفى اتِّباع التيَّار عمياناً! لنعترِف ولا نخجَل ولا نغرَق في التَّفاهات! الرَّبُّ يسوع المسيح إلهنا وحده هو الطَّريق والحقُّ والحياة، وكفى.
+ أفرام
مطران طرابلس والكورة وتوابعهما