الإنسان عبداً للشريعة

mjoa Wednesday November 14, 2012 130

انقلبت المفاهيم الدينية ومقتضياتها الأخلاقية والسلوكية رأساً على عقب، وانحرفت عن الطريق التي شاءها الله أن تسلك بها. ففيما وُضعت الشرائع والأحكام والوصايا لترسم للإنسان سبل الحياة المثلى، أضحت قيوداً تكبّله وتستعبده لدى المؤسسات الدينية التي ينتمي إليها.

فأهل الأديان يجمعون على القول بأن الأديان إنما جُعلت لخدمة الإنسان، لا الإنسان لخدمة الأديان. فالإنسان هو قمة الخلق وأكرم المخلوقات، فالله خلقه “على صورته ومثاله”، وجعله “خليفة في الأرض”، وسلّمه المسكونة أمانة. كما أن وجود الإنسان سبق بملايين السنين وجود الأديان. والإنسان وحده، من بين المخلوقات الأرضية كافة، هو الذي وعده الله بالحياة الخالدة. كل شيء سيبيد، تقول الأديان، ولن يبقى إلا الله ومَن اختارهم من البشر ليحيوا بمعيّته في الفردوس أو في الملكوت.

“إن السبت جُعل للإنسان، وما جُعل الإنسان للسبت” قاعدة جديدة أتى بها السيد المسيح في وجه الناموسيين والحروفيين الذين لم يدركوا مقاصد الله الحقيقية من الشريعة. لذلك ذكّرهم المسيح بقول الله “إنما أريد الرحمة لا الذبيحة”، أي بأولوية الإنسان وضرورة خدمته أمام ممارسة الشعائر وتطبيق الشرائع. الإنسان يتقدّم على الشريعة، لا العكس.

بيد أن وقائع التاريخ ليست بهذا البهاء الذي تبتغيه النصوص التأسيسية والنظريات اللاهوتية أو الكلامية. فالتاريخ يرينا كيف انقلبت المفاهيم رأساً على عقب، ذلك أن الإنسان بدل أن يكون محور الاهتمام لدى القائمين على الأديان، أضحى أداةً طيّعة في أيدي أولي الأمر الدينيّين. وهؤلاء استغلّوا المشاعر الدينية لدى أتباعهم وحركوها، تحت ستار الذود عن الدين، لخدمة تحالفاتهم السياسية أو العسكرية مع السلاطين والملوك والأمراء والولاة. هكذا أصبح الناس يموتون في سبيل الأديان لا في سبيل الله، وشتّان ما بين الأمرين.

الأديان التي جُعلت في الأصل لخدمة الإنسان تجعل الإنسان خادماً لها حين تتحوّل إيديولوجيات ينبغي الدفاع عنها بأي ثمن. فما شهدناه من صراعات على مرّ التاريخ إلى يومنا هذا كان الدين هو المحرّك الأساسي والرافعة الأساسية التي جرت تحت شعاراته الحروب بين الأمم أو في البلد الواحد.

وفي كل هذه الحروب تمّ سحق الإنسان باسم الأديان، فعوض أن يكون سيّداً على الخليقة، كما شاءه الله، صار خادماً لمؤسسته الدينية برجالها وفقهائها وكهّانها والقائمين على أمورها. صار الإنسان عبداً لشيخه ولمعلمه كالمريد الذي لا مشيئة خاصة له، كالخاتم في إصبع مرشده. أمسى الإنسان الوسيلة عوض أن يكون الهدف. صار موت الإنسان في سبيل الدين هو الهدف، وبطل أن يكون الهدف هو الحياة في سبيل الإنسان.

وبدل أن يكون الله هو موضوع العبادة والسجود، يحتلّ الدين مكان الله. ليس الشرك أن يتّخذ الإنسان إلهاً آخر سوى الله فحسب، بل الشرك أيضاً أن يصبح الدين أو المعتقد موضوعاً للعبادة إلى جانب الله. لقد خلق الله الإنسان حراً، أما الإنسان فيستعبد نفسه بمشيئته لدينه ومعتقداته. ولن يكون من معنى حقيقي للأديان إذا لم يتحرّر الإنسان من عبادتها، وحصر العبادة بالله وحده الذي لا شريك له.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share