عـنـدما قال بـولس: “إن المسيح هو سلامُنـا” تابعها بقـولـه: “هـو جعـل الإثـنـيـن واحدًا” وأراد بالاثنين اليهـود والأمم، وكان اليهـود يُبغضون الشعـوب الوثـنـيـة عملا بقـول الكـتـاب: “سمـعـتـم أنـه قـيـل تـحـب قـريـبـك وتُـبغـض عـدوّك” (متى 5: 43) والمـفـهـوم أن قريبك هو اليهـوديّ فقط، والغـريب هو العـدوّ.
وأوضح الرسـول بُطلان هذا المـوقـف بقـولـه ان المخلّص نقض في جسده اي في مـوتـه حائط السياج الذي كان يُفـرّق اليهـود عـن الأمم، وأبـان يسوع أنه خلق الاثنين اي اليهـود والأمـم في نفسـه، ويعني هنـا ايضا بمـوته، جعلهما معا “انسانا واحدا جديدا” بعد أن كانا اثنين متخاصمين إذ أجرى السلام بينهما بدمه وصالحهما كليهما في جسد واحد بعد أن صارا معا بإيمانهما بيسوع جسدًا واحدًا مع اللـه.
اتحدا بالصليب اذ كانـا معـا في المسيح ولم يبـقَ مـن بعيـد. صرتم قـادرين أن تُصلّوا معًا الى الآب الذي هـو منتـهى كل شيء، والجـامع بينكما هو الـروح القـدس الذي أرسلـه المخلّص اليكـم بعـد صعـوده الى السماء.
ثم يتـابـع بـولـس فـكـره بقـولـه: “فلستم غـرباء بعـد ونـزلاء بل مُواطني القديسين وأهـل بيـت اللـه”. قبل معموديتكم كنتم غرباء وما كنتم أهـل بيـت اللـه، والآن صرتم مُواطني القـديسيـن وواحدا مع المـؤمنين. الكنيـسة صارت لكم الوطـن العُلـوي النـازل مـن السمـاء.
“وقـد بُنيتم على أساس الرسل والأنبـيـاء” ويعني بالرسل تلاميـذ يسوع الاثني عشـر، وبالأنبيـاء يعـنـي كتب أنبياء العهد القـديـم وهم الأربعـة الكبـار (إشعيـاء، إرميـا، دانيـال، حـزقيـال) والأنـبـيـاء المعروفين بالصغـار الذيـن وضعـوا أسفـارا فـي العـهـد الـقـديـم، كـذلـك يـريـد الأنـبـيـاء الـذيـن لـم يضعـوا اسفـارا.
ويـريـد بـولس بالبنـاء بنـاء العـقـد الذي نـبنـيـه فـي الشـرق وهو مؤلّف من حجارة ملاصقـة بعضها ببعـض وليـس بينهـا مـادة كالكلس او ما يُشبهه، ويجمعها ما يُسمّيه الرسـول “حجـر الـزاويـة” ونُسمّيـه بالعـامّيـة اللبنـانية “حجـر الغـلـق”. وفي هذا البنـاء يستنـد الحجـر الى الحجـر وتـلتقـي الحجـارة كلها بحجر واحد هو حجـر الغـلـق.
بهـذا الحجـر يـشـبـّه بـولـسُ يسـوعَ المسيـح الذي بـه يـنسـق البنيـان كلـه (وهـذا ما عنـدنـا في البنـايـة الشـرقـيـة) فينـمـو الـبـنـاء الـذي صرتُمـوه “هيـكلا مـؤسسًـا فـي الـرب وفـيـه أنـتـم أيضًا تـُبـنـَون معـًا مسكنًا لله في الـروح”. هيكـل مقـدس فـي الـرب يرادفـه مسكـن الله في الـروح اي فـي الـروح القـدس الحـالّ فيكـم. عنـدنـا هيكـل غيـر منـظـور وهـو الكنيسـة جعـلها الله مسكنـًا لـه، وأنتـم هـذا المسكـن بالـروح القـدس الذي يحـلّ علـى كـل واحـد بالمـعـمـوديـة والمـيــرون.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
رَعيّـتي تصدرها أبرشيـة جبيـل والبتـرون للـروم الأرثـوذكـس