عناد الله

mjoa Saturday December 1, 2012 133

أنت لم تخلق الناس ورماك الرب في أيديهم فانه ما نجاك من الوحوش وهي بطبيعتها كاسرة وانت في غابة ولو اشتهيت ان تعيش مع حملان. ولو شاء ربك ان تحيا في هناء دائم لجعل لك مجتمعا على هواك قائماً على الهوى ولم يفعل وتسربت الخطيئة الى تعاريج دماغك وتفاصيل فكرك وثنايا قلبك. وستبقى كذلك لأن البشر لا يتوبون أو التائبين قلة ولهم من معاصيهم منافع لأن الكثيرين منا عبدة مال وعبدة سلطان وقتال وهم لا يؤمنون ذلك الايمان الذي قذفه الله في النفس. لا يؤمنون ولو مارسوا فإن الدنيا أفقهم والآخرة تفرض عليهم تكاليف وتعبا كثيرا وصدامات مع أهل الأولى ولا يتعب أهل الأولى الصدام.

وليس لك أن تخرج من الدنيا ولو رغبت ويريد أهلها أن تلازمها حتى يسيطروا عليك. فهم بالسيطرة يسكرون ويجعلون معاشك متعبا جدا ويحاولون كسبك الى ضلالاتهم ليهنأ لهم العيش فيها وهو متنفسهم. إذ يحسبون أن الفضيلة مختنقهم ليس أنها لا تجذبهم أحيانا فالفضيلة جذابة كالرذيلة وإذا جذبت الانسان يذوقها ذوقا كثيرا.

أن تسبر غور الخطيئة هو أن تسبر كثافة العتمات وفي العتمة المكثفة تأبى النهوض وقد لا تخامرك فكرة النهوض لأن هذا يعني أن تعيش في النور لئلا تعيش نفسك كما آلت اليه أي وكرا للأفاعي، وإذا تآكلت الافاعي أو عضتك الواحدة تلو الاخرى تحسب أن شفاءك يأتي بإعجوبة وتفهم أن غير ذلك تكاثر الذنوب.

والعالم كله تحت الشرير لأن كل ما في العالم “شهوة العين وشهوة الجسد وكبرياء الوجود”. الذين استغرقوا فيه، احبوا شهواته، صار مضمونهم. خلاصهم يبدأ إذا استلذوه. يريدون الحياة الجديدة. “ماذا اعمل لأرث الحياة الأبدية؟”. احيانا تلمس عند كبار العصاة شوقا الى الحياة الجديدة النازلة من الرب والقادرة على أن تجعل الانسان جديداً وكأن الذنوب لم تلمسه او كأنها لم تعشش فيه. الانسان لا يستطيع أن يستخرج من ذاته حياة جديدة. انه ميت. لا يقدر أن يحيي نفسه. يجب أن يحييه آخر. يجب أن يقيمه آخر من بين الاموات. ووسوسة الشيطان الكبرى أن يقول له: أرجئ هذا فحياتك في أن تكره الحياة الابدية، في الا تشتهيها. انها تكلفك جهدا كبيرا لا لذة فيه تشبه اللذات التي كنت تسبح فيها.

***

النهوض من الموت الروحي الى حياة مشكلة. بعد أن اسودت صورة الله فينا. من يمحو هذا السواد؟ كيف؟ الكيف أن يعود الله نفسه الى الانسان فيبيد الموت. المسيح قام من بين الاموات لأنه عاد هو نفسه أي حياته التي لا تفنى الى جسده الذائق الموت. هذا اعجوبة. لا يحيا الانسان من جديد الا باعجوبة والاعجوبة تعني تحديدا هذا الشيء الذي لا يأتي منك. الذي ينزل عليك. ولهذا كانت التوبة خلقا جديدا. انت لا تصنع التوبة. تهبط عليك نعمة. تتقبلها وتعترف انها نعمة فإذا ظننت انك فاعلها تموت بكبريائك.

ما تقدر عليه أن تستقبلها. انها هي التي تفتح نفسك لتحل فيها. يحدث فيك خلق جديد. تغدو خليقة جديدة. هذا ما قاله بولس لأنه هو القائل: “بالنعمة انتم مخلَّصون”. أنت كنت لا شيء وما أحييت نفسك. الروح القدس هو وحده المحيي.

إذا سقطت في الذنوب مرة أخرى السؤال هو كيف تستنير. لم يوضح الرسول كيف يكون النهوض. اضطرب لهذا اضطراباً كثيرا. خشي الا يبقى لنا سبيل الى الخلاص. ما كان عنده إلا أن يلتمس النعمة، الى أن ينادي الروح القدس ليحل من جديد في النفس البشرية. عند بولس حيرة وجودية امام مشكلة النهوض بعد السقطة. لم يكن ليفهم حقيقة كيف يعيش الانسان خارج المسيح. كيف يبقى المسيح عائشا فيك بمعمودية واحدة؟ أين تذهب المعمودية بعد أن سقطت؟ كيف تحيا من جديد في قيامة المخلص؟ هل لك من وجود خارج الاقامة في المسيح؟ أسئلة تعاش في الألم. فإذا كانت لك أعجوبة الخلاص لا يكون لك تفسير للأعجوبة. يبقى لك فقط تلقيها.

***

الى هذا عندنا تراث من باسكال القائل اركع وصلّ (ان احسست بشعور ديني أم لم تحس). لم اجد كلاما كهذا في تراث الشرق النسكي ولكنه رعائيا مفيد او معقول أو قابل للتجربة. اطلب من المتحير ايمانيا او من كفر بالله ان يرافقك الى الكنيسة. قد يسمع صوتا جديدا او يلمس نعمة نزلت عليه.

بعض الذين كفروا يحدثون من تحول حدث معهم وما كانوا ملتفتين الى الله. في الحقيقة هو الذي يلتفت اليك ويتخذ الوسائل التي تحلو له. تروض على تقبل النعمة. لا يعني هذا انك تأمر الله ان ينزلها عليك ولكن تروض ما استطعت.

آباؤك قالوا ينبغي ان تفهم كل كلمة من كلمات الصلاة. غير ان هذا لا يعني بالضرورة تحس بالكلمات. قلها قد تكون “آمرا” الله أن يأتي اليك. إرم نفسك عليه. إرتمِ في احضانه. ربما لمّك واحتضنك. انه دائما يشعر ببنوتك. دائماً الرب يخترع وسائل لتقترب انت اليه. وإذا رآك من بعيد وكان عارفا أنك ابن ضال ينسى ضلالتك لأنه متأكد أنك ان انضممت الى صدره تسمع نبضات قلبه وتفهم ان قلبه ينبض من اجلك. انه متعطش الى رجوع قلبك.

يحركه بطريقة عجائبية لم يدلك عليها سلفاً. هو دائما صانع العجائب. “عجيب في قديسيه” نقول. عجيب في خطأته أقول. الخطأة هم له وقال هذا بقبوله أن يعلق الخطأة مسيحه على الخشبة. وإذا قبلوا دمه خلاصا يذهب عنهم عنادهم ليحل “عناده” هو أي المحبة.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share