وَمَا قَالَ فِي وَعْظِ الرِّجَالِ ٱرْتِجَالا
الأَب د. ميشال سابا
ليماسول – قُبْرُص
» قَصِيدَةٌ قِيلَتْ فِي غِبْطَةِ بَطْرِيَرْكِ أَنْطَاكِيَا وَسَائِرِ المَشْرِق،
كِيرِيُوسْ كِيرِيُوسْ ﴿ إِغْناطيوس الرَّابـع ﴾
الجَزِيلِ الطُّوبَى .. وَالكُلِّيِّ الإِحتِرَامِ «.
نُبُـوغٌ تَنَامَى فِي سِبَاقِ التَّفَاضُلِ
فَأَوْجَبَ نَبْـذَ الحَاسِدِ المُتَضَائِلِ
ذَكَـاءٌ بَـدَا دَلَّتْ عَلَيْهِ دَلائِـلٌ
وَإِنْ أَنْكَرَتْـهُ غُصَّـةُ المُتَجَاهِلِ
أَتَاكَ غَرِيبَ الدَّارِ يَشْـغَلُهُ العُلَى
فَمَيَّزَهُ عَقْـلٌ عَلَى المُتَزَامِلِ
لأَمْرٍ، عَلَى دُنْيَا اِلسَّوَابِقِ قَدْ سَمَتْ
نُفُوسٌ تَخَطَّتْ فُضْلَيَاتِ الأَوَائِلِ
فَكَانَتْ نِثَـارًا كَالنُّجُومِ عَلَى الثَّرَى
طَوَالِبَ عِلْمٍ مِنْ عِذَابِ المَنَاهِلِ
يَكَادُ يُعِيقُ المَرْءَ تَأْثِيرُ قَوْمِـهِ
فَيُنْقِذُهُ مَرْأَى المَـدَى المُتَطَاوِلِ
إِذَا الأَسْرُ أَمْسَى لَـذَّةَ المُتَشَاغِلِ
فَهَمُّ قَنِيصِ الطَّيْرِ فَكُّ الحَبَائِلِ
طُمُوحٌ أَشَادَ المَجْدَ مِنْ مَعْقِلِ الرُّؤَى
فَكَيْفَ بِهِ مِنْ بَعدِ دَكِّ المَعَاقِلِ ؟
وَلِلمَجْدِ سِرٌّ إِنْ قَدِرْتَ وُلُوجَـهُ
تَمَيَّزْتَ عَنْ كُلِّ الأَنَامِ الغَوَافِلِ
نَثَرْتَ نُجُومًا فِي ذُرَى المَجْدِ وَمْضُهَا
وَخَلَّفْتَ مُـزْنًا دَفْقُهَـا زَادُ رَاحِلِ
فَإِنْ أَبْرَقَتْ أَوْفَتْ وَإِنْ أَرْعَدَتْ هَمَتْ
وَإِنْ أَغْدَقَتْ رَوَّتْ نُفُوسَ القَبَائِلِ
إِذَا جَادَنَا غَيْثٌ فَأَنْتَ مِيَاهُـهُ
نَدَى البَحْرِ مِفْضَالٌ عَلَى كُلِّ هَاطِلِ
تَوَاضَعْتَ حَتَّى زَادَ قَدْرُكَ رِفْعَـةً
عَلَوْتَ فَمَا نَجْمٌ إِلَيْكَ بِوَاصِلِ
وَلا يَسْتَبِينُ العِـزُّ فِيكَ لِحَاسِدٍ
حَيَـاءٌ على قَدْرِ العُلَى المُتَزَامِلِ
لَكَ الفِكْرُ مَعقُودٌ بِنَاصِيَةِ الرُّؤَى
فَجَلَّكَ هٰـذَا الخَلْقُ مَرْبَى الفَضَائِلِ
تَحُفُّ بِكَ الدُّنْيَا كَأَنَّكَ مِحْوَرٌ
وَيَحْبُو إِلَيْكَ الجَمْعُ حَبْوَ مُسَائِلِ
فَعِنْدَ بُلُوغِ العِلْمِ مَبْلَغَ لُجَّـةٍ
تُدَانِيـهِ أَجيَالٌ دُنُـوَّ السَّوَاحِلِ
فَصَمْتُكَ وَحيٌ نَاطِقٌ بِفَوَاضِلٍ
وَعِلْمُكَ إِشْـبَاعٌ لِنَهْمَةِ نَاهِـلِ
حَثِيثُ الدَّوَاعِي لا يُجَارَى جَنَاحُهُ
كَنَسْرٍ تَسَامَى فِي ٱرْتِيَادِ المَجَاهِلِ
تَنَاهَى إِلَى العَلْيَاءِ مِنْ كُلِّ مَصْعَدٍ
فَأَرَّقَـهُ نَقْصُ البُدُورِ الكَوَامِلِ
هُمَامٌ إِلَى مَا تَقْتَضِي مِنْهُ هِمَّـةٌ
يُرِيكَ بُلُوغَ المَجْدِ صُنْعِ الأَنَامِلِ
وَتُؤْنِسُهُ شُـمُّ المَعَالي قَرَابَـةً
وَيُسْعِدُهُ فِي الخَلْقِ أَهْـلُ النَّوَافِلِ
صُـرُوحٌ لَهَا فِي مَبْعَثِ الفِكْرِ صَوْلَةٌ
تُشَادُ عَلَى بَـذْلٍ مَتِينِ الكَوَاهِلِ
لَهُ الفَضْلُ بَعدَ ٱللهِ فِي مَا أَجَادَهُ
فَسِحْرُ العَطَا : فِي البَاذِلِ المُتَسَاهِلِ
عَلَى صَخْرَةِ الإِيْمَانِ مَبْنَى شُمُوخِهِ
لَكَمْ فَاقَتِ الصَّلْصَالَ صُلْبُ الجَنَادِلِ
أَبَيْتٌ عَلَى صُمِّ الصُّخُورِ أَسَاسُهُ
كَمِثْلِ مَشِيدٍ فَوْقَ رَمْلٍ مُخَاذِلِ ؟
فَمَنْ رَامَ إِبْدَالَ الصُّخُورِ بِرَمْلَةٍ
أَضَرَّ بِهِ دَفْقُ الغُيُوثِ الهَوَاطِلِ
مَهَابَتُـهُ ، لا مِنْ لِبَاسٍ يَجُرُّهُ
فَمِنْ شَخْصِهِ وَشْيُ الثِّيَابِ الرَّوَافِلِ
لَهُ مَحْضَرٌ فِي كُلِّ مَلْقًىٰ، إِذَا بَدَا
تَرَامَتْ إِلَيْهِ أَعْيُنٌ فِي المَحَافِلِ
وَيَسْتَصْغِرُ الدُّنيَا وَإِنْ رَحُبَتْ بِـهِ
وَيَهْزَأُ بِالرُّكْبَانِ هُـزْءَ الهَوَاجِلِ
فَفِي النَّفْسِ عَنْ نَهْمِ الحَيَاةِ مَزَاجِرٌ
وَفِي مُقْلَتَيْهِ عِفَّـةُ المُتَكَامِلِ
فَمَنْ كَانَ يَصْبُو لاقْتِنَاصِ جَوَارِحٍ
تَشَاغَلَ عَنْ صَيْدِ الطُّيُورِ الغَوَافِلِ
وَمَاطَلَ فِي صَحْوِ الكَنِيسَةِ دَهْرُنَا
فَبِتْنَا نُرَجِّي نَهْضَةَ المُتَثَاقِلِ
وَلا تُقْتَنَى الآمَالُ مِنْ يَدِ قَانِـطٍ
فَمَا الدَّهْرُ مِنْ يَأْسِ الحَيَاةِ بِنَائِلِ
وَإِنْ أَبْرَقَتْ لا تَحْسَبِ الفَجْرَ بَازِغًا
أَيُرْجَى الضُّحَى مِنْ بَارِقَاتِ الأَصَائِلِ؟
وَمَنْ يَدَّعِي بِالكِبْرِ أَضْعَافَ قَـدْرِهِ
فَحَاجَتُهُ فِي بَيِّنَاتِ التَّفَاضُلِ
فَجِئْتُمْ كَوَفْدِ الرِّيحِ مَقْصِدُهُ الذُّرَى
فَكَانَ رِفَاقُ الدَّرْبِ بَـدْءَ القَوَافِلِ
فَأَنْتَ سَمَاءٌ وَالنُّجُومُ قِلادُهَـا
فَكُنْتُمْ شِفَاءَ المُدْنَفِ المُتَمَاثِلِ
تَمَخَّضْتَ عَنْ قَوْمٍ فَأَرْهَفْتَ حَدَّهُمْ
وَمَا يَصْقُلُ الأَسْيَافَ غَيْرُ الصَّيَاقِلِ
وَلا يَصْنَعُ الأَمجَـادَ إِلاَّ رِجَالُهَـا
فَمَا نَـوَّرَ الظَّلْمَاءَ غَيْرُ المَشَاعِلِ
فَسِمْتَ رِجَالاً نَيِّرَاتٍ عَلَى الدُّنَى
زَرَعْتَهُمُ فِي قَاصِيَاتِ المَجَاهِلِ
سَقَيْتَ، وَفِي المَوْلَى رَجَاءُ نُمُوِّهِمْ
كَمَا الحَبُّ يُرْجَى مِنْ حَصِيدِ السَّنَابِلِ
فَلا أَنْتَ فِي هٰـذِي الحَيَاةِ بِدَائِمٍ
وَلا أَنْتَ مِنْ فِكْرِ الزَّمَانِ بِزَائِلِ
فَدُمْ يا سَلِيلَ الرُّسْلِ وَالأَبُ وَاحِـدٌ
وَإِنْ أَنْكَرَتْ أُمٌّ عُهُودَ الأَوَائِلِ
تَدَانَتْكَ فِي بَذْلِ العَطَاءِ أَفَاضِلٌ
وَفَضْلُكَ مِفْضَالٌ عَلَى كُلِّ فَاضِلِ
إِذَا قِيسَ بِالإِجلالِ مَنْ وَطِىءَ الثَّرَى
فَأَنْتَ الثُّرَيَّـا فِي عُلُـوِّ المَنَازِلِ
وَلِلرُّومِ فِي مَسْرَى الزَّمَانِ ٱنْتِكَاسَةٌ
فَأَثْبَتَّ أَنَّ الرُّومَ فَخْـرُ القَبَائِلِ
عَلَى الأُفْقِ أَرْوَامٌ تَنَاثَـرَ جُلُّهُمْ
تَنَاثُـرَ أَصوَاتِ الصَّدَى المُتَوَاصِلِ
فَـدُمْ بَطْرِيَرْكَ الرُّومِ وَالرُّومُ أُمَّـةٌ
أَبَادَتْ لَهِيبَ الشِّرْكِ مِنْ كُلِّ عَاقِلِ