إغناطيوس الرابع رسول التنوّع والانفتاح

mjoa Sunday December 16, 2012 102

يرى البطريرك إغناطيوس الرابع هزيم أن المهمة الرئيسية للمسيحيين العرب تكمن في ترجمة المسيحية للعالم العربي، مسيحية تخاطب العقل العربي والثقافة العربية، وتسعى إلى إيضاح معتقداتها بلغة عربية مبينة تصل إلى عقل العربي وقلبه. وهو لا يقصد ترجمة النصوص إلى اللغة العربية، فهذا قد تمّ إلى حدّ ما، بل يقصد بهذه الدعوة “أن نتوصّل إلى أن تكون هناك مسيحية المخاطَب فيها هو شخص عربي”.

انطلاقاً من رؤيته هذه لمهمّة المسيحيين العرب تجاه مسلمي بلادهم، لا يتغاضى البطريرك هزيم عن ذكر الجانب السلبي في تاريخ العلاقات المسيحية – الإسلامية. فبعد أن يعدّد المسائل الجداليّة بين المسلمين والمسيحيين قديماً، وأهمّها مسألة أهل الذمّة “التي تؤمّن حماية، لكنها تهميشية”، يعتبر أن هذه المسائل لم تمنع “تفاعل المسيحيين والمسلمين على الصعيد الشعبي، وعرفوا وعياً، يكاد يكون واحداً، لتعالي الله. وكانت عندهم الثقة ذاتها بالعناية الإلهية والاتّضاع وإسلام النفس لله”.

من هنا، يؤمن البطريرك بأن المسلمين والمسيحيين يعبدون إلهاً واحداً، وأنّ ما يجمعهم هو هذا الإله الواحد الذي كشف نفسه في التاريخ في المسيحية والإسلام. ففي خطابه أمام القمّة الإسلامية في الطائف (1981) يؤكّد إيمان المسيحيين والمسلمين بالإله الواحد، فهو يفتتح خطابه بالقول: “فالمسيحيون المشرقيون مثلكم ينشدون وجه الله (…) إننا، مثلكم، توّاقون إلى خالق السموات والأرض، وملتمسون الرضى الإلهي في كل زمان”.

وهو لا يتوانى، حين يذكر لبنان والقدس التي “فيها يرفع العبادة إلى الله كل عبّاد الإله الواحد الأحد”، عن التذكير بالاحترام المتبادل ما بين المسيحيين والمسلمين القائم على التنوع: “إن الديانات مدعوة في الأصل إلى جمع طاقات البشر لتتجه نحو التقديس والتنقية بالنعمة الإلهية. في القدس نواة مهمة للعبادة المتنوّعة وللوجود المتنوّع، وفي لبنان مساحة واسعة عريقة وعميقة لممارسة هذا التنوّع. في القدس نلتمس وجه الله، وفي لبنان نلتمسه أيضاً”.

في الواقع، يدعو البطريرك هزيم إلى اكتشاف حضور المسيح وفعل الروح القدس “حيث يبدو غائباً أو حتّى مرفوضاً”. فمع تأكيده على حضور المسيح في الأديان غير المسيحية، يشدّد البطريرك على توافق المسيحيين والمسلمين على فكرة تنزيه الله وتعاليه. وقد تكون تلك “التنزيهيّة الإلهية” مكان اللقاء الأمثل بين مؤمني الديانتين، ذلك أن الله يبقى سرّاً يستحيل الغوص فيه وإدراكه، والاقتراب منه لا يتحقّق إلا بالعبادات والتواضع.

ويحذّر البطريرك هزيم في هذا السياق من الوقوع في أصناف شتى من “النسبويّة والتلفيقية” التي يمكن أن ينزلق إليها بعض اللاهوتيين ممّن ينفون التمايزات التي تختص بها كل ديانة من الديانات العالمية، فيحكمون على ظاهر الأمور من دون الغوص في معانيها ومقاصدها. وإن تقاطعت أو التقت بعض الممارسات الدينية، هنا وثمة، فلا يجوز إزالة الاختلافات العرضية في بعض الأحيان، أو الجوهرية في أحيان أخرى، بين الديانات.

لربّما أكثر ما يعبّر عن فكر البطريرك أغناطيوس الرابع إعلانه: “قلنا بالتنوّع والانفتاح وهذا من صلب عقيدتنا”. هنا، يجمع البطريرك بين أمرين يبدوان في الظاهر متناقضين: العقيدة والانفتاح، ليجعلهما متكاملين من دون تصارع. هكذا، يكون شعاره الفكري وشعار الكنيسة الأرثوذكسية العربيّة تالياً: الانفتاح من دون المساومة على الإيمان.

 

 

0 Shares
0 Shares
Tweet
Share